top of page

page 2

{سَرطان الرِّئَه}


تعتبر الرئتان والقصبات الهوائيه من أكثر اعضاء الجسم تعرضاً للاصابه بالاورام . والاورام الرئويه نوعان :
1- النوع الحميد – Benign Tumour 
وهذا النوع من الاورام محدود الأضرار وتبلغ نسبته  10- 15 % من اورام الجهاز التنفسي .
2- النوع الخبيث -  Malignant Tumour  
وغالبية الاورام الرئويه من هذا النوع الخبيث ويسمى سرطان الرئه ونسبته تزيد على 80 %  وهو موضوع مقالنا اليوم .
ولا بد من الربط بين سرطان الرئه وبين عادة التدخين حيث ان الابحاث العلميه والاحصائيات الطبيه تشير الى وجود علاقه وثيقه بين تدخين السجائر وبين هذا المرض الخبيث . ان للتدخين اضراراً كثيره على اجهزة الجسم مثل القلب والاوعيه الدمويه والمثانه والجهاز الهضمي بالأضافه الى ذلك فان تدخين كل سيجاره ينقص من عمرك (11) دقيقه , مايهمنا في هذا الموضوع هو اضرار التدخين التي تتعلق بالجهاز التنفسي وخاصة سرطان الرئه . ولا بأس من ايراد بعض الاحصائيات العالميه عن سرطان الرئه ودور التدخين فيه . فهو يصيب المدخنين بنسبة تزيد ثلاثين مرة من غير المدخنين ويتناسب معدل الاصابه بهذا الداء تناسباً طردياً مع عدد السجائر المستهلكه يومياً ومع طول مدة التدخين . وهو يصيب الرجال خمسة اضعاف اصابته للنساء وعادة يبدأ المرض بعد سن الاربعين في كلا الجنسين .
سرطان الرئه اكثر انواع السرطان انتشاراً وان نسبته في جميع انحاء العالم تزداد سنه بعد اخرى كما ان  40  %  من مجموع الوفيات من السرطان بين الذكور سببها سرطان الرئه والقصبات . ان هناك وسائل طبيه حديثه للكشف عن هذا المرض الخبيث في بدايته ولذا فأن ثلثي المرضى المصابين به لديهم فرصه الشفاء بالطرق الجراحيه والطبيه وبالعقاقير اذا ما اكتشف المرض في مراحله الاولى .  

انواع سرطان الرئه والقصبه الهوائيه :
تنقسم الاورام الخبيثه في الرئه الى نوعين اساسيين :
1- النوع الاول : الاورام الخبيثه الاوليه   Primary Malignancy     
وينشأ ابتداء من انسجة الرئه وخاصة من جدران القصبات والقصيبات الهوائيه – وهذا النوع يشتمل على اكثر من 90 % من امراض سرطان الرئه .
2- النوع الثاني : الاورام الخبيثه الثانويه Secondary Malignancy     
ويتكون هذا النوع من اعضاء بعيده عن الجهاز التنفسي مثل الكبد والامعاء وغيرها من الاعضاء , وتنتقل الخلايا السرطانيه من هذه الامكنه الى الرئه عن طريق الدم او الاوعيه الليمفاويه او غير ذلك من طرق الانتقال ونسبة هذا النوع لا تزيد عن 10 % من مجموع الاورام الخبيثه بالرئتين .

كيف تنشأ الاورام الخبيثه الاوليه  :  Primary Carcinoma
هذا النوع هو الذي يكثر بين المدخنين للتبغ من الجنسين رجالاً كانوا أم نساء وربما يرجع السبب في ذلك الى التهيج المستمر الذي يحدثه دخان السجائر في الجدران الداخليه للقصبات والمسالك التنفسيه واثارتها وترسيب المواد الكربونيه على هذه المسالك مما يدفع بعض الانسجه والغدد في جدران القصبات الى النشاط والتكاثر لكي تتغلب على هذه الاجسام الغريبه الملتصقه بها . وتكون النتيجه حدوث ورم بسيط جداً من المجموعات الخلويه في اول الامر ثم لا يلبث ان يكبر الورم شيئاً فشيئاً وتنقلب طبيعة التكاثر بين الخلايا الى صوره شاذه لا تخضع معها لقوانين الجسم وتنفلت تماماً من جميع الضوابط الفسيولوجيه والبيولوجيه التي تتحكم في انقسام الخلايا في الحالات الاعتياديه وينتهي الامر الى تكوين الاورام الخبيثه ونشأتها بالصوره المرضيه بخصائصها المميزه .

هل هناك فرق بين من يبتلع الدخان او من بنفثه من فمه ؟
بعض المدخنين يقعون في الوهم الكاذب من انهم في امان من حيث الاعتقاد بأن من يدخنون السجائر دون ان يبتلعوا شيئاً من الدخان لن يصابوا بأمراض الرئتين – وهم بذلك انما يخدعون انفسهم فالدخان هواء لا يمكن التحكم فيه وبدون ادنى شك فسوف يتجه هذا الهواء الساخن الى اسفل داخل القصبات كما يتجه الى الخارج عن طريق الفم او فتحتي الانف , ويكفي ان يعلم المدخن انه حينما يدفع الهواء من فمه فانما يدفعه تحت ضغط مناسب داخل تجويف الفم يزيد عن ضغط الهواء الجوي . ولعله يعلم ان القصبه الهوائيه مفتوحه دائماً في جميع الحالات ما عدا أوقات بلع الطعام والشراب وان الضغط داخل القفص الصدري والرئتين يقل عن ضغط الهواء الجوي فهو حينما ينفث الدخان من فمه يتجه هذا الهواء الى كلا الجانبين – الخارج والداخل – وهو الى الداخل اسهل مروراً لانخفاض الضغط فيه .

هل هناك عوامل تزيد من الاصابه بسرطان الرئه ؟
لقد ثبت بالتجارب العلميه وبالاحصائيات الطبيه ان العاملين في بعض الصناعات معرضون للاصابه بسرطان الرئه بنسبه تزيد عنها في صناعات اخرى واهم هذه الصناعات التي تحمل في طياتها خطر الاصابه بهذا المرض هي : صناعة النيكل والكروم وغاز الفحم وصناعة الزرنيخ والاسبست . وتخضع هذه الصناعات الى اشراف طبي دقيق في البلاد التي تكثر فيها ويحاطون عمال هذه المصانع برعاية طبيه وتعليمات تقيهم الاصابه وتجنبهم الكارثه .
سرطان الرئه الثانوي من أين يأتي ؟
حينما ينشأ سرطان في مكان ما بالجسم ويتعدى مراحله الاولى بحيث يحطم خلال نموه وتكاثره وعاء دموياً – وريداً كان او شرياناً – فان الخلايا السرطانيه تختلط بالدم وتنتقل الى القلب والرئتين في دورتي الدم الصغرى اوالكبرى الى جميع اعضاء الجسم وانسجته .
بعض هذه الخلايا تبقى في انسجة الرئتين وبعضها يغادرها الى الاعضاء الاخرى – كالكبد والجهاز العصبي المركزي والعظام وغير ذلك من انسجة الجسم – في هذه الاماكن الجديده تتكاثر الخلايا وتتكون الاورام الخبيثه وفي هذه الحالات لا تصلح الجراحه واستئصال الورم الاصلي علاجاً بل يستبدل بذلك العلاج بطرق اخرى غير الجراحه . واهم سرطانات الاعضاء التي ترسل خلاياها الى الرئتين هي – الثدي – الغده الدرقيه – المعده – الامعاء – الكبد – واورام الجهاز البولي والتناسلي واورام العظام .

اعراض سرطان الرئه ومعالمه :
تنبيه / يجب ان انبه القارئ الكريم الى ان الاعراض التي سوف اذكرها هنا تتشابه الى حد بعيد مع اعراض امراض اخرى في الجهاز التنفسي اقل خطوره وشأناً . والفيصل الحكم الذي يقرر ذلك هو الطبيب المعالج فهو وحده الذي ينصح المريض ويؤكد التشخيص او يستبعده . وارجو الا يخلط القارئ بين ما قد يحسه من هذه الاعراض وبين الحكم بأن عنده سرطاناً , وهذا حكم لا يصح من مريض .
الاعراض : اما اعراض هذا الداء فهي كثيره متنوعه وتعتمد بالدرجه الاولى على مكان الورم . وهل هو في موضع من القصبات يسد فيه جزءاً من اجزاء الرئه او فصاً من فصوصها وهل الورم في منطقة من المسالك التنفسيه العليا او في طرف ناء من اطراف الشعب الهوائيه . وهل الورم يضغط على مايجاوره من انسجة واعضاء اخرى هامه مثل الانسجه والامتدادات العصبيه او الاوعية الدموية ( وريديه وشريانيه ) وقد يضغط على المرئ او على الاضلاع او الفقرات .
الاعراض في مختلف هذه الحالات تتباين تبايناً واضحاً . ولكن هناك قدراً مشتركاً من شكوى المريض ربما تشير الى الاصابه بهذا الداء الوبيل وهي السعال المستمر لفترة طويله مع كميه من البصاق الهلامي المتقيح احياناً واحياناً اخرى يخالط البصاق كميه من الدم وقد يتكرر النزيف الرئوي . ومع هذا السعال والبصاق يضيق التنفس ويصاب الجسم بهزال شديد وضعف عام وفقر دم حاد , وفتور في نشاط الجسم ونقص في الوزن وانعدام الشهيه للطعام – وقد يصاب المريض بآلام في الصدر او في الكتف او في الظهر . وقد يشكو من الاصابه بخراج رئوي لا يستجيب للعلاج ولا يلتئم بسرعه . كما قد يكون هناك انسكاب بلَّوري يعوق التنفس ويضخم الصدر وقد يبرز جزء من القفص الصدري كما تظهر الاورده على سطحه منتفخه متعرجه وقد يشكو المريض من تورم واحتقان بالرقبه والوجه والذراع – وقد يصاب بصعوبه في بلع الطعام او تغير في نبرات الصوت وقوته .

اعراض ناتجه عن الجهاز العصبي واجهزة اخرى غير الرئتين :
ربما يشكو المريض من اعراض عصبيه محدده – كالتهاب في الاطراف العصبيه والم في العضلات مع هزال , اختلال في حفظ توازن الجسم اثناء الوقوف او السير مع اختلال في قواه العقليه وخاصة في شخصيته – فهو غريب الاطوار متقلب الاحوال كثير الضحك سريع البكاء .. وقد يصاب بضعف في قوة البصر او بكسور في عظام مناطق مختلفه من الجسم . وخلاصة القول فان المريض ربما اظهر من الاعراض والعلامات المرضيه ما يشير الى اصابه جهازه التنفسي او أي جهاز آخر من جسمه طبقاً لنشأة المرض وانتشاره .

تشخيص الاورام الخبيثه :
هناك عدة وسائل لتشخيص المرض وهي في مجموعها تستطيع تحديد الاورام وحصرها ونخص بالذكر :
- اشعة اكس العاديه والملونه  X- Rays .
- المفراس  ( CAT - Scan  )
- رسم الرئتين بطريقة المواد المشعه .
- فحص البصاق الخلوي لاكتشاف الخلايا السرطانيه .
- الفحص المنظاري للقصبه والقصيبات الهوائيه واستخراج عينه نسيجيه للفحص المجهري .
- الحصول على عينه من خلال فتحه خارجيه في جدار الصدر .

تلك اغلب وسائل التشخيص وبمقدور الطبيب المختص ان يصل الى التشخيص الصحيح في معظم حالات اورام الرئه من 80 – 90 % .

طرق العلاج :
اهم طرق العلاج هو استئصال الورم جراحياً وهو يعطي نتيجه طيبه اذا ما اجريت العمليه في مراحل المرض الاولى وقبل انتشاره في اعضاء اخرى . وبعض المراكز سجلت نجاحاً بلغ 70%  وهذه نتيجه حسنه . ثم هناك العلاج بالاشعه العميقه وبالعقاقير الطبيه
..............................................................................................................................................................................

حكمة اليوم :  كن سعيداً كلما كثر حسّادك ، فهم الشهادة لك على نجاحك

ماهو النوم ؟


جرت محاولات عديده لتعريف النوم , ومنها ان النوم هو غياب اليقظة , أو هو غياب الوعي , او انه الحاله التي تخلو من الشعور والتي لا يحدث خلالها شئ , او انه الحاله التي يبدو فيها الانسان وكأنه غير حي , الى غير ذلك من التعاريف الوصفيه والتي تعرف الآن بأنها غير صحيحه . ومعظم هذه الاوصاف للنوم تحمل بقايا من المعتقدات القديمه والتي ساوت بين النوم والموت , وقد عبّر شكسبير عن مثل هذه المساواة بين النوم والموت بقوله (( .... في ذلك النوم الابدي ( أي الموت ) فأي أحلام تأتي ؟ .... )) .
ان النظرة الحديثه لظاهرة النوم تختلف جذرياً عمّا كانت عليه في الماضي , وهي تفيد بأن النوم هو حاله نشطه وليست خامله , وبأن النائم يتمتع اثناء نومه وفي بعض مراحله بدرجه ما من درجات الوعي , وبأن اشياء كثيره ومهمه تحدث اثناء النوم . وقد امكن بنتيجة الأبحاث المختلفه التوصل الى تعريف للنوم يفي بمعظم الخصائص التي تصاحب هذه الحاله , وان كان هذا التعريف مازال يقصر عن التعريف الدقيق والشامل لحالة النوم . والتعريف الحالي ينص على ان النوم هو حاله طبيعيه , يسهل عكسها , وتتصف بالتكرار , وبانخفاض في الاستجابه الى الاشارات الخارجيه . ويعتمد هذا التعريف على البينات التي يقتضي توفرها في النائم لاثبات نومه . وهذه البينات تأتي من المصادر التاليه وهي :
اولاً : الحركه الدماغيه الكهربائيه , ومخطط حركة العينين , ومخطط العضلات الكهربائي .
ثانياً : التغيرات الفيزيولوجيه الجسميه .
ثالثاً : المظاهر السلوكيه .
رابعاً : شعور الفرد نفسه . 
وفيما يلي ايضاح لهذه البينات والتي اذا ما تزامن ظهورها في الفرد , اعتبر النوم قائماً بالمعنى العملي , غير انه تقتضي الاشاره الى ان بعض البينات قد تكون مفقوده , او انها غير ثابته في قياساتها , ومع ذلك فان حالة النوم تعتبر قائمه . وهذا الواقع يشير الى اننا ما زلنا غير قادرين على الحصول على البينه الوحيده والتي اذا ما توفرت كانت كافيه لاثبات قيام حالة النوم بصوره قاطعه .

اولاً : الحركه الكهربائيه :  

وهي تستمد من الحركه الكهربائيه للدماغ , وعضلات العينين , او عضلات الجسم . فحركة الدماغ الكهربائيه لها نمط يميز فترات النوم , وهذه الحركه تقترب في بعض خصائصها من حركة الدماغ اثناء اليقظة , وذلك خلال فترة النوم الحالم , غير انها تختلف جذرياً عن حركة اليقظة اثناء النوم غير الحالم . والحركه الثانيه المدللة على النوم , هي حركة العينين السريعه والتي تسجل في جهاز تخطيط العينين , غير ان هذه الحركه تظهر فقط خلال فترات النوم الحالم , والتي لا تبدأ الإ بعد مرور 90 – 100 دقيقه من بداية وقوع النوم . والحركه الثالثه , هي حركة الإنقباض العضلي والتي تسجل كهربائياً , وهي منخفضه جداً اثناء النوم , وخاصة اثناء فترات النوم الحالم .

ثانياً : التغيرات الفسيولوجيه الجسميه :

هنالك فروق واضحه , واحياناً كبيره , في العمليات الفيزيولوجيه لأجهزة الجسم بين اليقظه وحالة النوم , وهذه الفروق تظهر في حالة القلب , وفي التنفس , وفي ضغط الدم , وفي تسجيل المقاومه الكهربائيه للجلد , كما قد تظهر في الفحوص المخبريه على الهرمونات والمواد العصبيه الناقله ( المرسلات العصبيه ) والانزيمات , والتي تفيد كلها بوجود تفاوت في مقاديرها بين حالتي النوم واليقظه .

ثالثاً : الملاحظات السلوكيه :

النائم يظهر بعض الدلائل التي تفيد بأنه نائم , كإغماض عينيه , وإرتخاء عضلاته , وعدم حركته , او قلتها , وتعذر او صعوبة إستجابته للإشارات الحسيه الخارجيه . غير ان جميع هذه المظاهر لا تدلل بالضروره على النوم , إذ أنها يمكن ان تظهر في الوقت الذي لا يكون الفرد فيه نائماً وإنما مدعياً بالنوم , او مسترخياً او متعباً .

رابعاً : الشعور بالنوم :

المصدر الرابع والأخير هو إفادة النائم الشخصيه بأنه كان نائماً . وهذه الإفاده الشخصيه بالنوم قد تطابق الحقيقه , وقد تكون إدعاء وقد يكون المدعي بها صادقاً في شعوره , وان كانت البينات السلوكيه قد تخالف إدعاءه ...
وهكذا ومع جميع البينات المتوفره حالياً لرصد حالة النوم , إلا أننا ما زلنا جاهلين للبينه الوحيده الحاسمه , والتي تثبت بدون شك قيام النوم في أي شخص ما , وحتى توفر هذه البينه الحاسمه , فإن تعريف حالة النوم يجب ان يأخذ بعين الإعتبار البينات المستمده من المصادر الممكنه الآن , وهي البينات الكهربائيه , والفيزيولوجيه والسلوكيه , وسيظل مثل هذا التعريف قائماً الى أن يمكن إكتشاف ذلك الجزء من الدماغ الذي ينظم عملية النوم , ورصد ما يحدث في هذا المركز لما يؤدي الى قيام حالة النوم , عندها فقط يمكن تعريف النوم مما يحدث في هذا المركز من تغيرات تميزه عن حالة اليقظه .

كيف يحدث النوم ؟

اعتقد الانسان ولقرون طويله بأن النوم هو حاله مختلفه تماماً عن اليقظه , وبأنها تأتي للإنسان كالزائر في الظلام , أو ان الفرد يقع فيها تلقائياً , او كما ورد في معتقدات الأقوام البدائيه بأن النوم يمثل هجرة الروح من الجسد في بدايته , وعودة هذه الروح من هجرتها وتجوالها في بداية اليقظه , ولهذا فقد حرصوا على محاذرة إفاقة النائم من نومه , خشية عليه من الإستفاقه المفاجئه قبل عودة الروح اليه . وفي الأساطيرالأغريقيه فسر حدوث النوم بأنه من صنع الآلهه , فثانتوس وهيبونوس كلاهما أخوان , وهما من ابناء الليل , أما فثانتوس , فكان إله الموت , بينما هيبنوس فقد كان إله النوم , وأقام كلاهما في العالم السفلي , وطبقاً للأسطورة فإن هيبنوس كان يحدث النوم في الناس , أما بلمسهم بعصاه السحرية , أو بخفق جناحيه الداكنين فوق رؤوسهم .
وفي القرون التاليه ظهرت نظريات عديده لتفسير حدوث النوم والتي إبتعدت عن الفعل الإلهي في أحداث هذه الحاله , وبدلاً من ذلك ربط حدوث النوم بما يحدث من عمليات داخل الجسم , مثل عملية الهضم , والدوره الدمويه , والأخلاط , والعصارات . أما في العصر الحديث فقد إتجه تفسير حدوث النوم الى الجهاز العصبي المركزي وخاصة الدماغ , غير ان عوامل اخرى فرعيه مازالت تعتبر فعاله في احداث حالة النوم , وهذه مستمده من فعاليات الجسم بما في ذلك حالة الاستقلاب والدوره الدمويه والتركيب الكيماوي والافرازات الهرمونيه إضافه الى فعل العوامل المحيطيه التي تحيط بالفرد , وأخيراً فعل الرغبه في النوم .

التهيئه للنوم :

مع ان النوم قد يحدث لمن هو في حاجه ماسه إليه وفي أي ظرف وزمن ووضع جسمي كان عليه, إلا أنه نادراً مايحل بأحد ما وهو منتصب القامه , أو في حالة خطر , أو في حاله شديده من الألم . ويحدث النوم الطبيعي عندما يصبح الفرد مهيئاً له . والذي يهيء لذلك عادة هو : (أولاً) ان يكون قد حل وقت النوم الطبيعي للفرد , (ثانياً) ان تكون قد مّرت الساعات المألوفه من الزمن منذ الإستفاقه من النوم السابق . (ثالثاً) ان تتوفر الرغبه في النوم , (رابعاً) ان يضع الفرد نفسه في ظروف محيطيه ملائمه للنوم , (خامساً) ان يضع الفرد نفسه في وضع جسمي ملائم لحالة النوم , وهو الوضع المألوف بالتمدد سطحياً على الفراش , أو أي شئ منبسط , سوى على ظهره او بطنه او احد جانبيه . والدور الأول من المهيئات يفتح الباب نحو الدور الثاني من التهيئه , والذي يتكون من عنصرين هامين , اولهما : الغياب او التناقص التدريجي لأي سلوك يهدف الى تحقيق غرض آخر غير النوم , اما العنصر الثاني فهو الإسترخاء في عضلات الجسم الخارجيه (الهيكليه) . وهذا العنصر الأخير يجعل من أي سلوك إرادي نحو هدف معين امراً مستبعداً , كما انه يساعد في تنمية حالة عدم الإحساس او قلة الإحساس لأي إثارات خارجيه .

النوم الفعلي :

لم يكن هنالك بد من الإفتراض من ان النوم هو عمليه دماغيه , ذلك ان اتلاف أي عضو او جزء في الجسم ما عدى الدماغ لا يحدث حالة النوم بالضروره , وقد اتجه البحث لذلك الى مناطق الدماغ المختلفه , ووظائف الدماغ بجزئياته وكليته , في محاوله لتفسير الكيفيه التي يحدث فيها النوم , ومعرفة الجزء او الأجزاء الدماغيه التي اما تختص بعملية النوم او تساهم في احداثه . وقد تعددت نظريات الباحثين حول هذا الموضوع , ومن النظريات التي وردت في هذا الموضوع : (اولاً) ان كل خليه دماغيه تمتلك خاصية النشاط والخمول . (ثانياً) ان هنالك مركزاً مختصاً في الدماغ يسيطر على دورة اليقظه والنوم وينظم تواليهما . (ثالثاً) ان هنالك مركزاً يختص بحالة اليقظه وآخر يختص بحالة النوم , وبأنهما يتداولان السيطره , (رابعاً) بأنه لا توجد هناك مراكز خاصه بالنوم او اليقظه , وبأن هناك بدلاً من ذلك مجاميع من الخلايا التي تنظم عملية عبور او ايقاف الأثارات الحسيه الى الدماغ , وبأن هذا التنظيم هو ما يحدث النوم او اليقظه , (خامساً) وأخيراً الفرضيه بأن النوم هو موجه طارئه من النهي التي تغمر الدماغ وتوقف نشاطه , وتحدث بذلك النوم .


حكمة اليوم :  جمال بلا حياء وردة بلا عطر !

الأورام اللِّيفيَّـة                     
في النِّسَاء                                           Fibroids


بصفه عامه تعتبرهذه الاورام من أكثرها شيوعاً في الجنس البشري كله . وقد أثبت الفحص بعد الوفاة لآلاف العينات من الارحام أن 20% من النساء بعد سن الثلاثين تحتوي أرحامهن على أورام ليفيه لم يكن لها أية أعراض مرضيه في كثير من الاحيان .

خصائص عامه :
• حجم الورم يختلف اختلافاً بيناً من ورم لآخر فقد يكون مجرد حبيبات أو بذور صغيره متناثره في جدار الرحم وقد يصل الى حجوم هائله أحياناً . وقد سجلت اوزان تصل الى مائة رطل أو تزيد .
• العدد : اما ورم وحيد في الرحم او اورام عديده قد تصل الى مائتين عدداً .
• وضع الورم في الرحم : اما في جسم الرحم او في عنق الرحم :

اورام عنق الرحم :
وهي الاقل نسبه في النوعين , وغالباً مايكون في الجدار الخلفي لعنق الرحم , واذا نما وكبر في الاتجاه الامامي فهو يدفع المثانه أمامه ضاغطاً قناة مجرى البول مما يؤدي الى احتباس البول في بعض الاحيان . وأورام عنق الرحم الكبيره تشكل معضله جراحيه عند استئصالها وذلك بسبب انحشارها في الحوض وربما ادى استخراجها الى الاضرار بالحالبين او المثانه .
وهي تنقسم حسب وضعها الى ثلاثة انواع :
1. أورام سطحيه وهي تحت الغشاء البيروتوني المغلف للرحم مباشرة   Subserous  .
2. اورام "بين العضلات" وتوجد بين عضلات الرحم  Intra Mural .
3. اورام داخليه : وتوجد تحت الغشاء المخاطي المبطن لداخل الرحم  Submucous .


سبب الاورام الليفيه :

حتى الآن لا نعرف الا القليل وربما لا شئ على الاطلاق عن سبب او اسباب هذه الاورام التي وصفت بأنها اكثر الاورام شيوعاً في الجنس البشري .
وقد بحثت عدة عوامل مساعده او متصله بهذه الاورام بسبب من الاسباب .
1. الوراثه والجنس السُلالي :
ليست بذات اهميه كبيره , وقد وجد ان الاجناس السوداء  Negros , اكثر اصابه بهذه الاورام من الجنس الابيض .
2. علاقة الورم بالعقم :
يعتقد البعض ان للعقم صله وثيقه بالاورام الليفيه فقد وجد انه في حوالى 25- 30 % من الحالات يكون العقم مصاحباً للورم الليفي , وهم يعزون ذلك الى التأثير الميكانيكي لحجم الورم على المساحه الكليه للتجويف الرحمي , كما ان التعوج والتعرج الذي يصيب هذا التجويف قد يكون ايضاً عاملاً من عوامل العقم .
ولكن وجد بالأحصاء ان الاورام الليفيه لا تعطل الحمل في كثيرات من النساء .
كما وجد ايضاً ان نسبة الاجهاض المبكر مرتفعه مع الاورام الداخليه .
3. الدور الذي تلعبه هرمونات المبيض :
غير محدود تماماً حتى الآن ولكن مما يوحي بأن هناك صله ما بينهما ,حدوث هذه الاورام اثناء فترة اخصاب المرأة وضمورها بعد سن اليأس او بعد العقم الاصطناعي . وقد اجريت عدة تجارب معمليه بحقن فئران التجارب بكميات معينه من خلاصة هرمون المبيض وادت هذه التجارب الى استحداث اورام صغيره بالرحم تشبه الاورام الليفيه .
وقد يكون لهرمون المبيض اثره غير المباشر على الورم الليفي بتحكمه في غذائه من الدم , اما زياده او نقصاناً .

من اين تنشأ هذه الاورام :
من المؤكد الآن أن هذه الاورام تنشأ من النسيج العضلي للرحم وليس من النسيج الليفـــي    Fibrous Tissue كما كان يظن في السابق , ومن هنا اشتق اسمها الذي مازال شائعاً حتى الآن برغم ثبوت خطئه . وقد اختلف الباحثون عن نوع هذه الخلايا العضليه هل هي خلايا عضليه ناضجه وتامة النمو  Mature , أم هي خلايا حديثه السن وغير تامة النضج  Immature ؟ وهل لها علاقه بالخلايا العضليه الموجوده في الاوعيه والشرايين الدمويه التي تجري في الرحم ؟
كل هذه اختلافات اكاديميه سيتكفل الزمن بحلها .

أثر الاورام الليفيه على الرحم :
الاورام السطحيه الصغيره او حتى الكبيره لا تؤثر على الطبقه العضليه للرحم او على حجمه . الاورام (( بين- العضليه )) وخاصة الكبيره منها تؤدي الى تضخم الرحم .
الاورام الداخليه الكثيره تؤدي الى تضخم الرحم كما انها تغير من شكل التجويف الرحمي فتؤدي الى استطالته وتعوجه .

      أعراض الاورام الليفيه :
         معظم الاورام الصغيره وبعض الكبيره لا تؤدي الى اية اعراض مرضيه , والقاعده انه              
         كلما اقترب الورم من التجويف الرحمي زادت الفرصه لظهور اعراض مرضيه وخاصة
ما كان يتعلق بالطمث (الحيض) كذلك لا يؤدي الورم الى (الالم) الا في الحالات الآتيه :
• التواء عنق الورم او التواء الرحم نفسه .
• انواع التحلل المختلفه وخاصة الالتهابيه منها .
• التحول السرطاني وهذه علامه من علاماته المميزه .
• التصاق الورم بالاعضاء الاخرى المجاوره  Adhesions .
• وجود اورام اخرى مماثله كاورام الرحم المخاطيه  Endomitriosis .

الاعراض العامه :
اعراض الانيميا (فقر الدم ) كخفقان القلب والضعف العام وفقدان الوزن – وهذه في الاحوال التي يكون بها نزيف رحمي .

اعراض تتعلق بالدوره الشهريه : اعراض طمثيه :
1. ازدياد النزف الدوري الشهري  Menorrhogia  , ويعتبر من اهم اعراض الورم الليفي وفيه تزداد كمية الحيض الشهري مع عدم الاخلال بطول الفترات التي تفصل بين الدورات الشهريه ويزداد النزف في اليومين الثاني والثالث . ولايسبب الورم الليفي انقطاع الطمث  Amenorrhoea , الا اثناء الحمل وبعد سن اليأس .
2. الام الطمث  Dysmekorrhoea , وهذه تصاحب الاورام الداخليه التي تسبب انقباضات في عضلات الرحم .
3. نزف مهبلي مستمر وغير منتظم وهذا يكون فقط في حالات الاورام الداخليه المتقرحه والتحول السرطاني والحمل .

اعراض بسبب ضغط الورم على الاعضاء المجاوره  Pressure Symptoms :

• هذه الاعراض تبدو واضحه عندما يصل الورم بالرحم الى حجم حمل في اربعة عشر اسبوعاً .
• الضغط على الجهاز الهضمي يسبب عسر الهضم ونادراً الامساك .
• الضغط على المثانه يسبب تهيجاً في المثانه مؤدياً بذلك الى كثرة التبول الليلي واحياناً يسبب احتباساً في البول .
• الضغط على الاوعيه الدمويه , يسبب ورماً (ودوالي) في الرجلين أي احتقان وتضخم اوردة الرجلين .
• الضغط على الاعصاب , وهو نادر الحدوث الا عند حدوث التحول السرطاني .
• الضغط على التجويف البيروتوني , وخاصة في الاورام السطحيه ذات العنق الطويل ويؤدي ذلك الى استسقاء بالبطن  Ascites .


اعراض تتعلق بالحمل :
1. العقم : وهو اما سبب او نتيجه للورم الليفي وهناك مالايقل عن 40% من النساء يحملن بعد عملية استئصال الورم الليفي الذي كن يعانين منه .
2. الاجهاض او الولاده المبكره : وهذا يحدث في الاحوال التاليه :
• اذا وقف الورم حجر عثره امام تمدد وارتفاع الرحم .
• اذا ادى الورم الى انقباضات عضليه في الرحم .
• اذا منع الورم المشيمه من الالتصاق بمكان مناسب بجدار الرحم .
3. وضع غير طبيعي للجنين في الرحم  Abnormal Presentation  , كأن يتخذ وضع المقعد او الوضع المائل او المستعرض .
4. الولاده العسره : وخاصة اذا كان الورم الليفي في عنق الرحم فهو اما يمنع تمدد عنق الرحم اللازم لعملية الولاده او يمنع نزول الجنين ويسد عليه الطريق .
كذلك قد يسبب وجود الورم عدم فاعلية انقباضات عضلات الرحم التي تطرد الجنين خارج الرحم مما يؤدي في النهايه الى (خمود الطلق) واطالة مدة الولاده عن الحد المعقول .

التشخيص السريري للورم :
يجب تفريق الورم الليفي عن كل الاسباب التي تؤدي الى ازدياد حجم الرحم واهمها :
• الاورام الغشائيه الطمثيه  Endomitriosis   .
• الكيس المبيضي  Ovarian Cysts  .
• الحمل .
• العيوب الخلقيه بالرحم .
• في حالة تكلس الورم يجب تفريقه عن أية اورام اخرى متكلسه في البطن او اورام عظام الحوض .

العلاج :
• الاورام الصغيره التي لا تؤدي الى أية اعراض مرضيه قد لاتحتاج الى علاج .
• العلاج بالهرمونات  Palliative Treatment   ويعتبر من العلاج المهدئ او المسكن ويعطى في الاحوال التي تستدعي تأجيل او الغاء العلاج الجراحي .
• العلاج العام : كعلاج فقر الدم وربما استدعى ذلك نقل دم للمريضه فيها او بعد العمليه .

العلاج الجراحي :
• كشط الرحم , وعادة يكون لاسباب تشخيصيه او اذا اشتبه بوجود اورام سرطانيه بالرحم .
• استئصال الورم العنقودي بعمليه جراحيه بسيطه  Polypectomy   .
• استئصال الورم الليفي عن طريق المهبل  Vaginal Myomectomy , وخاصه اذا كان للورم رقبه طويله
• استئصال الورم الليفي عن طريق البطن  Abdominal Myomectomy .
هذه العمليات تصلح لمن هن دون سن الأربعين , بحيث يكون عدد الاورام الليفيه قليلاً وفي حدود المعقول . كذلك هذه العمليات تصلح في حالة ان المريضه ترغب في الابقاء على الرحم حتى وهي بعد الاربعين شريطة التأكد من عدم وجود أي اشتباه سرطاني في أي وقت من الاوقات .

استئصال الرحم Hysterectomy  :
ويكون في الاحوال الآتيه :
• بعد سن الاربعين .
• كثرة عدد الاورام الليفيه في الرحم .
• اشتباه وجود اورام سرطانيه بالرحم .
• اذا كان النزيف المهبلي مستمراً وكبيراً بدرجه تهدد حياة المريضه .
وهناك حاله اخرى يوصي فيها أطباء الغرب بأستئصال الرحم وهي الحاله التي تكون المريضه فيها تشكو العقم او ان زوجها غير قادر على الأنجاب بسبب فقدانه للحيوانات المنويه ولكننا لا نأخذ في الاعتبار مثل هذه الحاله لان الاسلام يبيح للمرأة الطلاق في حالة هذا الضعف في الرجل وعدم قدرته على الانجاب بعكس ماهو متبع في الغرب . وفي هذه الحاله لاداعي مطلقاً لاستئصال الرحم , فربما كان حظها اوفر في الذريه والانجاب بعد استئصال الورم فقط مع زوج آخر .


حكمة اليوم :  الجسم السليم هو المسكن الأفضل للنفس، والجسم العليل هو سجنها

المرارة مالها وماعليها

هذا المخزن الصغير للعصارة الكبدية
متى يتلف , ولماذا ؟ وكيف نعالج العلة فيه ؟
وهل يستطيع الانسان ان يعيش بدونه؟

المراره عباره عن كيس كمثري الشكل سعته حوالي 50 سم2 في الشخص البالغ يلتصق بالسطح الاسفل من الكبد في الجهه اليمنى من اعلى البطن . اما الجهاز المراري فيبدأ بالقنوات المراريه التي تكمن داخل الكبد , والقناة المراريه التي تتكون بأتحاد هذه القنوات , وهذه القناة بدورها تصل من الكبد الى المراره ثم الاثني عشر وهو اول جزء في الامعاء الدقيقه المتصله بالمعده والملتفه حول رأس البنكرياس , ويتكون جدار المراره من نسيج ليفي وعضلات غير اراديه تتجه في مختلف الاتجاهات لتساعد في حركة انقباض المراره عند الحاجه الى ذلك . ويبطن جدار المراره من الداخل غشاء مخاطي ناعم الملمس متخذاً من نفسه ثنيات عديده سطحيه في جسم قاع المراره اما في رقبتها فأن هذه الثنيات تعلو شيئاً ما وتتخذ اتجاهاً هلالياً وحلزونياً مما يؤهلها احياناً لوظيفة الصمام .

وظيفة المرارة :
تعتبر المراره مستودعاً للعصاره الكبديه كما ان لغشائها المبطن القدرة على تركيز هذه العصاره الى عشرة اضعاف تقريباً . وتعرف هذه العصاره المركزه بصفراء المراره . اما لماذا لا تنزل العصاره من قناة الكبد العامه مباشرة الى الاثني عشر عبر القناة المراريه العامه فذلك نتيجة لانقباض عضلة الفتحه العضليه القابضه التي تصلها بالاثني عشر . واذا ماتلف الغطاء المخاطي نتيجة مرض ما تفقد المراره قدرتها على تركيز العصاره الكبديه . وتنشط المراره الطبيعيه وتنقبض لتفرغ مابها من عصاره عند تناول أي غذاء دسم فتمر عبر القناة المراريه العامه الى الامعاء لتساعد على هضمه هناك . اما سبب هذا النشاط وهذا الانقباض فهو عمليه فسيولوجيه معقده نحن في غنى عن الدخول في تفاصيلها هنا ولكنه حقيقة واقعه .
ولقد ثبت بالتجربه انه عند نقل دم قطه غذيت بصفار البيض – وهو ماده فعاله تنشط انقباض المراره – الى قطه اخرى صائمه نتج عنه نشاط وانقباض في مرارة القطه الثانيه .
وفي الانسان الطبيعي لا يؤثر على نشاط المراره رؤية وشم وتذوق الطعام الدسم ولا حتى تناول الطعام النشوي والبروتينات الخالصه مثل بياض البيض . وانما يؤثر عليها فقط وجود الماده الدهنيه في الطعام بالدرجه الاهم .  

عيوبها الخلقيه :
اما العيوب الخلقيه للمراره فهي نادره نوعاً ما , فعدم تكوينها اصلاً هي والقنوات المراريه – وهذه حالة نادره جداً – تكتشف في الاطفال الذين يعانون تشوهات خلقيه اخرى , لاتتناسب والحياة . واحياناً نجد لانسان واحد مراره مزدوجه – وهي بنسبة 1: 4000 والاعم من ذلك ان تكون هناك مراره واحده ولكن لها حاجز داخلي مستعرض – وتسمى Phrygian cap , ولا يتدخل وجود الحاجز في وظيفة المراره .

امراض المرارة :
امراض المراره تتركز في ثلاثة انواع . فأندر انواعها الاورام السرطانيه والحميده وهي عادة تكتشف بعد استئصال المراره التي يكون بها التهاب او حصيات . أما النوع الثاني فهو التهاب المراره ذاتها , وهذه الالتهابات اما حاده او مزمنه .
اما الالتهاب الحاد فينتج اما عن وجود ميكروب بها مثل مضاعفات الحمى التيفوئيديه او عن حدوث بعض التغيرات الكيميائيه في غشائها المخاطي او يكون الالتهاب الحاد مصاحباً لوجود حصاة او حصيات بالمراره . غالباً مايكون الالتهاب الحاد بعد العقد الرابع من العمر , خصوصاً في النساء المائلات للسمنه اللائي انجبن عدداً من الاطفال وايضاً اللائي يملن للطريقه الكسوله في الحياة . هذه العوامل تساعد على ظهور نوبات الالتهابات كما تساعد ايضاً على تكوين الحصيات في المراره .
اما الالتهاب المزمن فهو استمرار للحاله نفسها ولكن بدرجه اقل وعلى نوبات متقطعه ويصاحبها شكوى مستمره من عسر الهضم والم متكرر في الجزء الاعلى من ايمن البطن , يزداد هذا الالم اذا ضغطنا على هذا المكان وتهدأ الحاله نوعاً ما لتعود مره اخرى على فترات متفاوته من الزمن – وأهمية تشخيص هذه الحاله هي التأكد من انها ليست احدى الامراض الاخرى التي قد تشبه في مظهرها التهاب المراره الحاد او المزمن وهي التهاب البنكرياس , قرحة الاثني عشر , التهاب الكليه اليمنى , التهاب الزائده الدوديه , انسداد القناة المراريه العامه لكن هذا يؤدي الى اليرقان فالتسمم الكبدي , انسداد في الشريان التاجي للقلب , التهاب خلايا الكبد الوبائي , تقلصات القولون , التهاب الامعاء .... الخ . 
اما حصيات المراره فتتكون من مواد مختلفه اهمها الكولسترول والصبغات المراريه والكالسيوم والفوسفور والحديد والكربونات وبعض البروتينات والكربوهيدرات . واهم  انواعها الحصيات المختلطه  Mixed Stones وهي عباره عن ترسبات مختلفه متبادله على هيئة دوائر بعضها فوق بعض , وهي تظهر بالاشعه العاديه أي غير الملونه . وتكون اما فرادى او كثيرة العدد , وفي هذه الحاله تكون مضلعه وذات وجوه متعدده . اما حصيات الكولسترول النقي فهي اقل حدوثاً واذا حدثت تكون فرادى  Solitaire  , وربما تكون متعدده مصحوبه ببعض الشوائب من المواد الأخرى . وحصيات صبغة المراره  Pigment Stones  فهي صغيره الحجم جداً وكثيرة العدد وباهتة الظل لدرجة قد تصعب معها رؤيتها خلال الصبغه في الاشعه الملونه . وحصيات الكربونات نادره واذا وجدت فهي اما على هيئة حصيات منفصله وظاهره تماماً او على هيئة رمال ناعمه في المراره كلها . واحياناً تنزلق احدى الحصيات المراريه على اختلافها نحو قناة المراره فتثبت فيها وتسدها مما يسبب المغص المراري الحاد . وقد يقال ان حصاة المراره قد اختفت ولكن حقيقة الامر انه ربما كانت الحصاة صغيره للحد الذي مكنها من العبور خلال القناة المراريه الى ان تصل الى الاثني عشر ومنها الى خارج الجسم الفضلات . وهناك امراض اخرى للمراره – اعتقد ان القارئ في غنى عن متابعتها حالياً لانها نادره الحدوث ومعقده نوعاً ما .

المغص المراري :
وهذا يأتي على شكل نوبات مغص مفاجئه , وغالباً ما يعقب اكله دسمه ببضع ساعات , وعادة مايكون ليلاً . ويعزى سبب النوبه الى انقباض شديد في عضلات أي جزء من الجهاز المراري اثناء مرور حصاة كما سبق . وتختلف حدة المغص من نوبه الى اخرى , ويتوقف هذا ايضاً على درجة حساسية المريض للألم – والنوبات عادة تكون مؤلمه جداً – فترى المريض يتلوى من شدة الالم , واضعاً يده منقبضه ضاغطاً على بطنه صارخاً باكياً مما به من الم مبرح , غارقاً في عرقه بشكل غزير – ويمكن له ان يحدد بنفسه موضع الالم في الجزء الايمن في اعلى البطن – وان الالم يشع للظهر تحت لوح الكتف الايمن والى الكتف الايمن ايضاً . وربما يظهر على جلده بعض الاصفرار . هذه النوبه قد تتكرر خلال فترة وجيزه وبعضها يعود خلال شهور وربما سنوات .


العلاج :
علاج امراض المراره يتوقف على الحاله فهو اما دوائي واما جراحي . كذلك علاج الحاله الحاده والحاله المزمنه وايضاً هل هناك حصيات أم لا ؟
اما علاج النوبه الحاده التي لاتكون فيها حصيات مراريه فهو وقتي – مسكنات مع راحه تامه وعقاقير ترخي العضلات المتقلصه . واذا كان هناك انتفاخ معدي فيركب انبوب مطاطي عبر الانف لامتصاص وتصريف الافرازات المعديه لمنع التقئ ... ولا يتناول المريض شيئاً بالفم مع تغذيته وريدياً بالمحاليل – ويمكن اضافة بعض المضادات الحيويه اذا كان هناك ما ينبئ بوجود التهاب ميكروبي .
العلاج الوحيد لوجود الحصيات المراريه هو الجراحه واستئصال المراره . الجراحه لازمه في الحالات التي يرافقها مضاعفات , كذلك حالات المغص المتكرر والتي لم ينفع معها العلاج الدوائي – احياناً يؤجل التداخل الجراحي فتره بعد فتره فتسوء حالة المريض وتحدث مضاعفات تزيد من خطورتها . الحاله العامه للمريض مثل تقدم سن المريض وامراض القلب والكلى وعدم كفائتها او أي مرض شديد آخر تجعلنا نفكر ملياً قبل اجراء الجراحه .
في حالة المغص الحاد الناتج عن انسداد قناة المراره لوجود حصاة بها تكون الجراحه انقاذاً للمريض من آلامه واحتمال حدوث تقيح بالمراره فيما بعد .
اما العلاج السريري والدوائي للحالات الهادئه نوعاً ما فيمكن في تنظيم الطعام دائماً . فما هو غني بالدهون والكولسترول مثل البيض والمخ والزبد والمقالي وكذلك المشروبات الروحيه والبهارات الكثيره يجب ان تقلل كثيراً او تمنع كلياً .
بعد النوبه الحاده مباشرة يجب ان يكون الطعام سائلاً فقط مثل الحليب بدون كريمه – والشوربه بأنواعها وعصير البرتقال المصفى والحبوب  Cereals  , والارز – ثم تضاف الخضروات بعد ذلك , واسهلها للمريض البطاطس والجزر والفاصوليا الخضراء والخس والكرفس .
يجب ان يبتعد المريض عن الكرنب (الملفوف) والبصل والفجل واللفت (الشلغم ) والخيار فهذه جميعها قد تسبب عودة الاعراض المرضيه .
وقد تفيد مع هذا النظام املاح الصفراء على هيئة حبوب مساعده على الهضم .
وفي النوبات الهادئه يكفي ان يستريح المريض ويضع مكمدات دافئه على البطن – وتفرغ غازات بطنه بحقنه شرجيه بماء دافئ اذا كانت متعبه .
وقانا الله واياكم شر الامراض – واسبغ ثوب العافيه والشفاء على الذين يقاسون .


حكمة اليوم : لولا الرجاء لمُتُّ من ألم الهوى ... لكن قلبي بالرجاء مؤمل

استئصال اللوزتين


تكون اللوزتان جزءاً من حلقة الغدد الليمفاويه التي تقع عند مدخل البلعوم وتقومان بوظيفتهما الدفاعيه بتنقية الهواء والمأكولات من الجراثيم بعد دخولهما الدوره الدمويه او الليمفاويه . وهذه الوظيفه الدفاعيه تدوم مادامت اللوزتان سليمتين . وتقع اللوزتان على جانبي البلعوم في نهاية الفم وفي بعض الاحيان يحضر احد المرضى الى العياده للكشف عليه متسائلاً ان كان عنده لوزتان ام لا . وطبعاً اللوزتان جزء من التكوين الطبيعي للجسم ولهما منافعهما وقد تصاب اللوزتان بالتهاب حاد وهذا شئ طبيعي اما اذا تكرر هذا الالتهاب على فترات قصيره بالرغم من العلاج فقد يسبب احدى المضاعفات الآتيه :
1. التهاب الكلى .
2. التهاب في المفاصل او العضلات .
3. ضعف في صمامات القلب او في عضلاته .
4. دمامل في الجلد
تنتج هذه المضاعفات من وجود بؤره متعفنه في اللوزتين , وفي هذه الحاله يجب استئصال اللوزتين منعاً للأضرار التي تنتج عن ذلك .
وتجري عملية استئصال اللوزتين عندما يصبح وجودها اكثر ضرراً للجسم من منافعها . وتجري هذه العمليه تحت التخدير العام وفي بعض الاحيان بالتخدير الموضعي . ويستخدم التخدير الكلي في حالات الاطفال اما في الكبار فقد نستخدم التخدير الكلي او الموضعي . ولكل منهما مزاياه فالتخدير الكلي اكثر راحه للجراح وكذلك للمريض فهو يخلصه من الوهم والخوف وكذلك يعطي للجراح فرصه اكبر للعمل لو حدثت اية مضاعفات اثناء العمليه مثل النزيف الحاد
ونحن نفضل هنا استعمال التخدير الكلي في معظم الحالات الا اذا عز وجود طبيب التخدير فيمكن استخدام التخدير الموضعي . وللتخدير الموضعي بعض المزايا فيقل فيه النزف اثناء الجراحه وكذلك تجنب المريض بعض المضاعفات التي يمكن ان تحدث بعد اعطاء المخدر الكلي . وافضل طريقه لاستئصال اللوزتين هي طريقه التشريح والمقصود بطريقة التشريح هو ان تنزع اللوزتان من غشائهما او تقشر فلا تترك أي بقايا وبهذه الطريقه يمكن للطبيب ان يتحكم في الاوعيه الدمويه فلا يخشى النزف . وفي الماضي كانت اللوزتان تقصان او تخلعان مثل الاسنان بآله تسمى المقصله . وقد اندثرت هذه الطريقه ولو انها مازالت تستعمل في بعض بلدان العالم , واما اندثارها فبسبب انها كانت تترك بقايا بعد العمليه في كثير من الحالات فيضطر الطبيب الى استئصالهما فيما بعد .
ماهي دواعي استئصال اللوزتين ؟
هناك دواع كثيره لاستئصال اللوزتين تتلخص في :
1. الالتهاب المتكرر بالرغم من العلاج وقد يتعرض المريض نتيجة لذلك للمضاعفات مثل امراض القلب او الكلى او المفاصل .
2. التضخم الشديد فقد يكون كبر حجم اللوزتين بدرجه تعوق البلع او التنفس او تؤثر في الصوت .
3. وجود بؤرة تعفن في اللوزتين , وفي بعض الاحيان قد لا يشعر المريض بأي الم في اللوزتين او التهاب بهما وعلى الرغم من ذلك تكمن الجراثيم الخبيثه في ثناياها وتسبب بؤرة تعفن فتوجد فجوات باللوزتين يتكون بها صديد يظهر بعضه في الفم عند الضغط عليها ويسبب رائحه كريهه ويسري البعض الآخر الى الدوره الدمويه او الليمفاويه مسبباً اعراض كثيره مثل :
• روماتيزم في المفاصل .
• تآكل في صمامات القلب .
• التهاب في الكلى .
• ارتفاع ضغط الدم .
• امراض العينين مثل التهابات القرنيه او الشبكيه او عصب النظر .
• الامراض الجلديه مثل الدمامل وحب الشباب .
4. ظهور غدد درنيه في الرقبه وسببها دخول جرثومه الدرن الحيواني في ثنيات اللوزتين وعادة تأتي الاصابه عن طريق اللبن غير المبستر , فان لم تستأصل اللوزتان استمر دخول جرثومة السل وقد تصيب اعضاء اخرى من الجسم .
5. وفي بعض الاحيان تستأصل اللوزتان لحملهما جرثومة الدفتريا والميكروب المسبحي او ان تكون بهما اورام حميده او خبيثه او فيهما او في احديهما جسم غريب وتعذر اخراجه مثل شوكة السمك او قطعة من العظم او غيرها .
6. تكرر خراج اللوزتين . 

أسئلة وأجوبه عن استئصال اللوزتين :

س1 : هل الافضل اجراء الجراحه صيفاً أو شتاءً ؟
ج    : يمكن أجراؤها في فصل الصيف والشتاء على سواء واذا لم يكن بد من التفضيل فان فصل
        الصيف أفضل , ونعني بذلك الصيف المعتدل وليس الحار جداً المصحوب بارتفاع في درجة الرطوبه وذلك لأن تجلط الدم في الحراره المعتدله اسرع منه في البروده ولأن الكمادات البارده على الرقبه تطيب في الحر اكثر منها عندما يكون الجو بارداً .
س2 : ماهي السن التي يمكن فيها اجراء العمليه ؟ وهل في اجرائها للكبار خطر؟
ج    : يمكن اجراء العمليه في جميع الاعمار ولكن عادة يكون الحد الادنى (4 سنوات ) والحد الاقصى (60 سنه ) .
س3 : هل تؤثر جراحة استئصال اللوزتين في الصوت ؟
ج    : لا شك ان الصوت يتحسن ويصبح حلو الجرس بعد ان كان أجشاً غليظاً بيد انه قد يمضي بعض الوقت قبل ظهور هذه النتيجه .
س4 : هل تؤثر الجراحه في الغناء بالنسبه لمحترفيه ؟
ج    : المبتدئ في الغناء يستفيد منها فانها تكسب صوته مزيداً من القوه والعذوبه , اما من احترف الغناء فقد يحتاج لاجراء تمرينات صوتيه حتى يعتاد الوضع الحديث .
س5 : ما أسباب حدوث النزف بعد بضعة ايام من جراحه ناجحه ؟
ج    : قد يرجع ذلك الى احد الاسباب الآتيه :
• النوم في غرفه سيئة التهويه .
• تناول الاطعمه الجافه والمجروشه والحاره
• الاسراف في استعمال الغرغره او علك الاسبرين .
• الاجهاد البدني والجنسي .
س6 : هل تجوز الجراحه للحوامل ؟
ج    : احياناً قد تكون ضروريه جداً بحيث يصعب تأجيلها ولكن الافضل ارجاؤها لما بعد الوضع
        وذلك للقئ او ضيق التنفس الذي قد ينجم عنها .
س7 : هل يجوز استئصال اللوزتين بالكي ؟
ج    : من الافضل تجنب هذه الطريقه للأسباب الآتيه :
• انها تجرى على جلسات متباعده وهذا يستغرق اضعاف وقت الجراحه .
• لان كل جلسه تعتبر بمثابة جراحه قائمه بذاتها نظراً للتفاعلات التي ستنشأ عنها والالتهابات والآلام التي تصاحبها وما في ذلك من الارهاق للمريض .
• لو تلوث الجرح يحدث نزيفاً ثانوياً يصعب التمكن من ايقافه .
• احتمال حدوث التصاقات ليفيه وهذه قد تختفي تحتها بؤر تزيد الحاله سوءاً .
• استحالة استئصال اللوزتين بالكي استئصالاً كاملاً دون ترك بقايا منها .
• الصعوبه الشديده التي تواجه الجراح بعد ذلك لو اراد استئصال البقايا .

حكمة اليوم :  مَن تأنى نال ما تمنى

(فَقرُ الدَّم)
Anaemia


لعل اكثر الامراض شيوعاً فقر الدم , فهو يصيب الصغار والكبار على حدٍ سواء , ولا يفرق بين دوله متحضرة ودوله ناميه , فالكل يشكو من زيادة نسبة المرض . وفقر الدم او الانيميا – ليس في حد ذاته مرضاً , بل هو عرض لامراض شتى , لذا كان من الواجب على الطبيب ان يتحرى السبب الذي ادى الى فقر الدم , فيصل الى اصل الداء , وبذلك يمكن ان يستأصله ويعالجه العلاج الناجح , ولذلك نرى الفارق واضحاً بين من يعالج العرض ولا يستقصي المرض ومن يعالج المرض فيقضي على العرض . فالذي يعطي العلاج على غير هدى لابد وان يرى مريضه وقد عاوده المرض , ويراه يشكو فقر دمه من آن لاخر .
احب في بادئ الامر ان استرعي انتباه القارئ الى انه كثيراً مايقال للمرء انك شاحب اللون اليوم فسرعان مايتطرق الى فكره انه يعاني من فقر الدم مع ان لشحوب الوجه اسباباً عده .
فترى ذلك مثلاً في بعض العائلات من ذوي البشره الشاحبه , وكذلك في بعض امراض الكلى او خمول الغده الدرقيه , ولكن هذا لا يعني ان صاحب هذه البشره لايعاني من فقر الدم , وفي بعض الاحيان نرى الوجه متورداً , ذا حمره جميله نتيجة لتمدد في الشعيرات الدمويه ولكنه يخفي تحته فقر الدم , ومن هنا يجب ان لا يغتر الفرد بالمظهر , او يحكم على وجود المرض او عدمه .

متى يقال ان الشخص يعاني من فقر الدم ؟
تكون الكريات الدمويه الحمراء في الدم الطبيعي حوالي  4,5 – 5 مليون كريه في المليمتر المكعب من الدم , وتحتوي هذه الكريات الحمراء على مايقرب من 14 جراماً في المائة سنتيمتر المكعب من الدم من الماده الحمراء التي تعرف بالهيموجلوبين وهي الماده التي تحمل الاوكسجين الى خلايا الجسم , والذي عليه تعتمد حياة خلايا الجسم , فاذا نقصت هذه الكميه عدَّ الفرد ممن يعانون من فقر في  دمه , ويكون بسيطاً في بعض الحالات ومتوسطاً في حالات اخرى , وشديداً في الحالات التي تنقص فيها نسبة الهيموجلوبين عن 7 جرام في المائه .
ولكون النساء يحضن كل شهر فيفقدن بعض الدم , نجد ان نسبة الهيموجلوبين بينهن تقل عن النسبه في الرجال بحوالي 10- 15%  , والاطفال بعد الولاده تتكسر كرياتهم الحمراء سريعاً فيكونون في فقر دم بعد هذا التكسر في الشهور الاولى . ثم بعد ذلك تخرج خلايا الدم السليمه فتكون طبيعتها لا تتكسر بسرعه , فترتفع نسبة الهيموجلوبين , الى ان تصل الى المستوى العادي بعد الشهر السادس , على شرط ان يغذى الطفل الغذاء الصحيح .
وبالبحث العلمي وجد ان عمر الكريات الحمراء هو 120 يوماً للكريه . وتأتي بعدها كريه صحيحه لتحل محلها واذا زاد التكسر عن اللازم قلت الكريات , وبالتالي قل الهيموجلوبين , فيحدث فقر الدم , ومن هنا يمكننا ان نلخص اسباب فقر الدم فيما يأتي :-

اسباب فقر الدم :
1. اسباب ناتجه عن نقص المواد التي تدخل في تركيب الهيموجلوبين والكريه الحمراء واهمها مادة الحديد .
2. فقدان الدم من الجسم .
3. عيوب خلقيه في الكريات الحمراء .
4. فقدان الدم الذي يصاحب الامراض الاخرى .

(1) قلت في اول المقال ان سبب شيوع فقر الدم لايقتصر على الفقراء الذين لايجدون مايحتاجونه من حديد في غذائهم , او اصابتهم بالديدان التي تتغذى على كرياتهم الحمراء كالانكلستوما , اذ اننا نجد الاغنياء كذلك احياناً لايحسنون اختيار طعامهم , او يحجمون عن الطعام الغني بالحديد عندما يتبعون حميه خاصه حفظاً على وزنهم ورشاقتهم . ومن حكمة الخالق جل وعلا ان اودع مادة الحديد في معظم الاطعمه , حتى يقدر عليها الفقير والغني – ولكن سؤ اختيار الاطعمه هو السبب في فقر الدم , فنجد مادة الحديد اللازمه للهيموجلوبين موجوده في الخضراوات الطازجه كالفجل والخس والطماطم والفلفل , وغيرها من الخضراوات التي تطبخ : كالملوخيه والباميه والسبانغ والبازاليا والكرنب وغيرها , وبنسبه اقل في الفواكه , ويوجد كذلك بكميات كبيره في العدس والبازاليا الجافه , ثم انه يوجد بكميات كبيره في اللحوم والكبده والكلاوي وغيرها من اللحوم . ولكي لا يتعرض الانسان لفقر الدم , لا بد وان يأخذ الكميات الكافيه من هذه الاطعمه , ومعظمها كما نرى لا يؤدي الى السمنه المفرطه , والحامل كالمرضع تحتاج الى كميات اكثر من هذه الاطعمه الغنيه بالحديد , وكذلك بعد العمليات المختلفه , والذين يقومون بعمل حميه شديده لنقص وزنهم والمسنون اسدي النصح اليهم للعنايه بطعامهم , حتى لا يتعرضوا لفقر الدم , وهم في غنى عنه . وهناك مواد اخرى لابد وان يحتويها الطعام كذلك ولكن الكميه التي يحتاجها الانسان قليله بحيث ان أي طعام صحي لا يخلو منها مثل فيتامين B او C – مركبات فيتامين B والمواد البروتينيه , فمن الواجب اذن ان نتحرى الدقه في اختيار طعامنا .
خذ مثلاً هؤلاء الذين يفطرون على كوب من الحليب (الفقير في الحديد) وقطعة ساندوتش . وساندوتش جبنه في الظهر ومثلها في العشاء , او الذين يعيشون على الشاي والبسكوت وما شابه ذلك – كل هؤلاء معرضون لان ينتابهم فقر دم , سرعان ماتتحسن حالتهم لو عادوا واتبعوا الطريقه الصحيحه في تناول طعامهم .
(2) فقر الدم الناتج من فقدان الدم : وهذا اما ان يكون شديداً وبصوره حاده , او يكون قليلاً وعلى مدى طويل .
فاذا فقد الشخص دماً غزيراً اثر حادث , او نزف من أي جزء في جسمه كما هو الحال في قرحة الاثني عشر , او اثناء الولاده , او الاجهاض او بعد عمليه جراحيه – كل هؤلاء في حاجه الى دم يعوضهم مافقدوه , وفي اسرع وقت ممكن , والا توقفت اجهزة الجسم , وربما ادى ذلك بحياة المصاب .
اما الذين يفقدون دمهم ببطء , فانهم لايحسون انهم يعانون من فقر دم الا اذا نقص المستوى الى درجه عاليه أي حوالي  40% او 30% بل في بعض الاحيان نرى المريض يسير على قدميه , ونسبة الهيموجلوبين فيه لاتزيد على 10% - 20% مع انه يعاني من اعراض كثيره سرعان مايؤولها لاسباب تحلو له . ثم نجد انه مصاب بعد فحص دمه . مثال ذلك : مرض البواسير التي تنزف او العاده الشهريه التي تحدث بكثره وبفقدان كميات كبيره من الدم . او قرحة الاثني عشر المزمنه - , او نزف بسيط وبطيء من الجهاز الهضمي من المرئ الى الشرج , او اصابة المريض بالانكلوستوما التي تدفن نفسها في امعائه وتتغذى على دمه , او البلهارزيا , او فقدان الدم في البول والبراز – كلها اسباب تؤدي الى فقر شديد بالدم . 
ويجب ان لاننسى ان أي مرض يصيب الجهاز الهضمي ويعطل امتصاص المواد اللازمه لتركيب الكريات الحمراء – وعلى رأسها الحديد – تؤدي في النهايه الى فقر الدم , مثال ذلك – الاسهال المزمن نتيجة لمرض بالامعاء الدقيقه , والتهاب القولون المتقرح وغيرها .
(3) العيوب الخلقيه التي تصيب الكريات الدمويه الحمراء , وهي في معظم الحالات وراثيه : هذه الكريات تكون ضعيفه , ولا تحتوي الا على كميات قليله من الهيموجلوبين , وتتكسر بسرعه وبعدد كبير , بحيث انه لايمكن تعويضها الا بعد فتره طويله , بل وفي بعض الحالات تعجز الاعضاء التي تنتج الدم كالنخاع العظمي عن تعويضها , مثال ذلك الانيميا المنجليه , ومرض الثلاسيميا Thalacaemia وغيرها , ولكن هذه تشكل نسبه قليله من اسباب فقر الدم وبما انها وراثيه فالواجب – منعاً لحدوثها – ان يمنع التزاوج بين افراد العائله المصابه به , حتى يقل عدد الافراد المصابين بهذا النوع من فقر الدم .
(4) وهناك فقر الدم الذي يصحب امراضاً عده , كامراض الكلى , وخمول الغده الدرقيه , والالتهابات المزمنه , وتضخم الطحال , والامراض الخبيثه , وأمراض الدم المختلفه , لذا كان من الواجب عمل الفحوصات اللازمه لابعاد مثل هذه الامراض . على انه من الممكن ان تعمل عدة اسباب على حدوث فقر الدم , لذا كان من الواجب ان يكون فحص المريض بفقر الدم فحصاً دقيقاً , مع معرفة كل جوانب المرض حتى تكون الاسباب واضحه , وبذلك يكون العلاج صحيحاً .
   
   اعراض المرض :
الدم كما هو معروف أكسير الحياة , وعلى الكريات الحمراء وما تحمل من هيموجلوبين يحمل     الاوكسجين الى الخلايا – تتوقف حياة كل خليه , فاذا قلت نسبة الهيموجلوبين تأثرت جميع خلايا الجسم التي تكون الاجهزه المختلفه , لذا كان من الواضح انه في فقر الدم لابد ان تتأثر كل اجهزة الجسم , وتظهر الاعراض المختلفه , ومع هذه الاعراض تكون اعراض المرض
الاصلي الذي سبب فقر الدم . ومن الملاحظ انه كلما كان فقر الدم بطيئاً كان ظهور الاعراض متأخراً وليس شديداً , مما لايضطر المصاب الى ترك عمله اليومي , حتى يصل الى الحد الذي لايمكنه معه ان يقوى على هذا العمل , واذا كانت الحاله حاده وشديده فان الاعراض تظهر واضحه وشديده , وسريعة الحدوث .

جهاز الدوران :
جهاز الدوران يتأثر بفقر الدم , ويتأثر كثيراً اذا كان القلب غير سليم (أي به مرض) , وكذلك تكون الاعراض شديده اذا كان فقدان الدم سريعاً ... فيحس المريض بزيادة في ضربات القلب عند القيام باي مجهود ولو بسيط , وكذلك تكون سرعة التنفس , وفي الحالات الشديده تحدث الصدمه , والعرق البارد الغزير , وسرعة النبض وضيق التنفس , مع القلق الشديد , وعدم الاستقرار . واذا كانت كمية الدم , وبالتالي كمية الهيموجلوبين والاوكسجين قليله – فان عضلات القلب تتأثر ويحس المصاب آلاماً شديده وضغطاً على الصدر , وهو مايعرف بالذبحه الصدريه , وفي الحالات الشديده يتضخم القلب , وربما حدث هبوط فيه .

الجهاز العصبي :
يحس المريض دواراً , وتسود الدنيا في عينيه عندما يقف بسرعه اذا كان مستلقياً على ظهره , وكذلك يحس صداعاً مع ازيز في الاذن , وارهاق شديد , وضعف في العضلات وتنميل وخدر – وأرق في بعض الحالات .

الجهاز الهضمي :
مريض فقر الدم يعاني من تلبك في جهازه الهضمي , فهو يشكو دائماً من انتفاخ بالبطن , وامساك يعقبه اسهال , والشعور بالغثيان والقئ في بعض الاحيان , ثم فقدان الشهيه في الحالات الشديده , مما يساعد على زيادة المرض حده , لعدم اكتفاء الجسم بما يحتاجه من المواد اللازمه له , كما تظهر بعض الاحيان التهابات باللسان والفم .

الجهاز التناسلي والبولي :
من المشاهد في حالات فقر الدم الشديد ان الحيض يقل عند النساء , وفي بعض الحالات يزيد فيزداد بذلك فقر الدم . وفي الرجال تقل الرغبه في الجماع , ويحس الفرد بعدم النشاط , ويحس بالخمول , وتتأثر الكلى كذلك , فيظهر في البول بعض الزلال .
وهناك اعراض اخرى مثل شحوب الجلد , وشحوب الغشاء المخاطي المبطن للشفتين واللسان , والتهابات وتشققات بزوايا الفم نتيجة لنقص الفيتامينات , ثم هناك تقعر الاظافر بدلاً من انحدابها .

تشخيص المرض :
يشخص فقر الدم ونوعه من تحليل الدم تحليلاً دقيقاً حتى نصل في النهايه الى نوع فقر الدم وسببه . وكما قلت لابد من معرفة السبب حتى تعالج الحاله على اكمل وجه . وفي بعض الحالات يكون الوصول الى التشخيص سهلاً , وبالتالي يكون العلاج سريعاً ومجدياً . وفي بعض الحالات تتشعب الاسباب ولا يسهل التشخيص فيقوم المختص باللجوء الى اختبارات

عده منها الفحص المجهري لكل مكونات الدم , وملاحظة ان خلايا غريبه به , وفحص الكريات الحمراء وتعريضها لتحاليل خاصه , لمعرفة طبيعتها , ومدى حيويتها وعمرها , وغير ذلك , ثم معرفة ما اذا كانت هناك مضادات في البلازما تعوقها عن وظيفتها , او تساعد على هدمها , وكمية الحديد الموجوده في البلازما , والمركبات الاخرى التي لها علاقه بالكريات الحمراء .
لكي يصل الطبيب الى تشخيص المرض لابد ان يفتح صدره لتلقي كل المعلومات من مريضه , وكذلك من واجب المريض ان لايبخل على طبيبه بالمعلومات التي تؤدي في النهايه الى الطريق للوصول الى المرض , وتاريخ المرض مهم في مجال فقر الدم , فلا ينسى المريض ان يخبر طبيبه ان كان قد فقد دماً في الماضي عقب نزف من أي مكان في جسمه ,  ويشرح له طعامه وهل تعرض الى حميه خاصه , او ان عمله متصل بالكيمياء , او تعرض لاي مرض في حياته , وهل فقر الدم منتشر في أسرته , ولاتبخل السيده في احاطة طبيبها بالعاده الشهريه وكميتها , وعن عدد اطفالها وهل اجهضت او فقدت دماً في الولاده شديداً . وهل ترضع اطفالها – كل هذه معلومات تفيد الطبيب وتلقي الضوء على المرض , اما ان يترك الطبيب في متاهات لايدري مداها ليعرف مدى مهارته – فهذا ليس من التبصر , فعلى المريض واجبات ايضاً يجب ان يؤديها حيال مرضه ويساعد طبيبه ويخبره عن كل مايتعلق بهذا المرض .
واجد الشرح يطول في هذه الفحوصات وغيرها مما يختبر به الدم حتى نعرف سبب فقر الدم , والذي يهمني في الامر واريد ان اوضحه هو ان بعض المرضى يضيق ذرعاً لو اخذ منه دم لفحصه يوماً بعد يوم . ويظهر هلعاً شديداً من انه يفقد دمه بهذه الطريقه , علماً بانه لايفقد الا شيئاً يسيراً جداً حتى لو وصل الى 50 سم3 فلن يضره هذا , على ان هذه النسبه الضئيله للفحص يعوضها الجسم بسرعه , ويجب على المريض ان لايبخل بدمه في هذا المجال حتى يصل الطبيب الى تشخيص مرضه , واذا وجد انه يحتاج الى نقل دم فسيعوضه عن ذلك ايضاً , وكم من مريض خرج من المستشفى دون التوصل الى تشخيص مرضه , لانه ابى ان يعطي هذا الجزء اليسير من دمه للفحص , ضارباً عرض الحائط بنصيحة الاطباء له .
وفي بعض الحالات نحتاج لنعرف ماذا يجري في نخاع العظام حتى يسبب فقر الدم فيجري مايعرف ببزل نخاع العظام وهي عمليه سهله ولكنها تقدم فكره جيده , وربما كشفت تشخيص المرض وسببه بفحص محتويات النخاع العظمي تحت الميكروسكوب .
ولقد دخلت النظائر المشعه في اختبارات الدم المختلفه , ومنها اختبار الكريات الدمويه الحمراء: عدداً ونوعاً , ومدى تحملها , ومدة حياتها واين يكون مصيرها , وغير ذلك من الفحوصات اللازمه حتى نكون على بينه مما يجري في الدم , وفي بعض الحالات نحتاج الى مثل هذه الفحوصات للتوصل الى معرفة كنه المرض , وعلى المريض بفقر الدم ان لايضيق صدره حين يجد نفسه يتعرض لفحوص البول والبراز , وأشعات مختلفه على جسمه : من صدر وامعاء وكلى , فان فقر الدم – كما قدمت – ربما يكون عرضاً , ولا بد من التوصل الى هذا المرض , وبذلك نعرف اصل الداء , فنصف له الدواء .

العلاج :
وهنا للوقايه دور كبير , وكما اسلفت لابد ان يعتني الانسان بغذائه كمَّاً ونوعاً , له , ولاسرته: زوجته واولاده – طعام غني بالبروتينات والفيتامينات والحديد , حتى لايتعرضوا لفقر الدم . وتزداد كمية الاطعمه التي تحتوي الحديد اذا تعرض الجسم لفقدان كثير من الدم . وكذلك الوقاية من الامراض الوراثيه وفي مقدمتها امراض الدم الوراثيه : كالانيميا المنجليه والسلاثيميا والهيموفيليا , وامراض نزف الدم وغيرها , ثم علاج الامراض المختلفه علاجاً صحيحاً سليماً , حتى لايعاود المريض فقر الدم اذا اعطي العلاج . ولابد من علاج الديدان المعويه , وعلى رأسها الانكلوستوما وعلاج البواسير التي تنزف . وعلاج الامراض النسائيه التي تسبب نزفاً من الرحم او عنقه وغير ذلك . فاذا ماعولجت الاسباب سهلت معالجة فقر الدم وكما قلت لفقر الدم انواع كثيره , وعلى رأسها فقدان الدم او نقص في الحديد , وفي هذا النوع , اذا  كان فقدان الدم شديداً وسريعاً اعطى المريض نقل دم حتى يتسنى للجسم القيام بوظائفه ثم يستمر المريض على العلاج بواسطة الحديد على هيئة اقراص , مع العنايه بالتغذيه الكافيه والغنيه بالحديد والفيتامينات اما اذا كان نقص الحديد بسيطاً , فيعطى العلاج بواسطة مركبات الحديد بالفم , على انه في بعض الحالات لايستجيب المريض للحديد بالفم , او يصيبه ارتباك شديد في معدته وامعائه , او يكون هناك نوع من الاسهال او التهابات القولون او امراض في الامعاء لاتسمح بامتصاص الحديد فهنا يعطى الحديد بواسطة الحقن , ويقتصر الحقن على هذه الحالات او الحالات التي يراها الطبيب , ولا داعي لان يصر المريض على اخذ الحديد بالحقن مع انه لايحتاج الى ذلك لان لذلك مضار , ففي بعض الحالات يسبب الحقن ارتفاعاً في حرارة الجسم مع خفقان بالقلب ... وغثيان وقئ , وسرعة تنفس , وفي بعض الحالات يسبب آلاماً تشبه الى حد كبير آلام الذبحه الصدريه , وكذلك آلاماً في منطقة الكلى , هذا علاوة على آلام الحقنه , والتهاب العضلات التي يعطى فيها الحديد , وزرقه تحت الجلد اذا لم يعط في عمق العضل . ومركبات الحديد بالفم كثيره ومتعدده , واذا وجد المريض ان نوعاً منها لايلائمه فيمكن ان يستبدله بغيره , حتى يجد النوع الملائم الذي لايسبب له اعراضاً تمنعه من تعاطيه . وهناك انواع من فقر الدم تحتاج الى مركب الفيتامين – B12 – او حامض الفولك وهو مايسمى بالانيميا الخبيثه , وتعطى هذه المركبات مدى الحياة اذا كانت الانيميا خبيثه , ولكن لاتعطى هذه لاي مريض بغرض التقويه , وحامض الفولك يعطى في بعض حالات فقر الدم الذي يصاحب الحمل , مع خلاصة الكبد في بعض الحالات . وفي بعض انواع فقر الدم , يعطى فيتامين – ب او ج – واقراص الثيروكسين , اذا كان هنالك نقص في هذه المواد في الجسم . من هنا نجد ان كل حالة فقر دم تحتاج الى علاج خاص يتناسب مع سببها ونوعها , وبمعاونة المريض ومهارة الطبيب مع المختص بالتحاليل – يمكن التغلب على معظم حالات فقر الدم التي تنتشر ويزداد انتشارها يوماً بعد يوم ...


حكمة اليوم :   تُولد السعادة من حُب الغير ، ويُولد الشقاء من حُب الذات

الحساسية
داء العصر الحديث


كثيراً ما يسمع احدنا ان قريباً او صديقاً له او هو نفسه شكوى في وقت من الاوقات من الحساسيه لشئ ما , فما هذه الحساسيه وما سبب حدوثها ؟
لقد هيأ الله للجسم العديد من وسائل الحمايه ضد الاضرار الخارجيه – فمثلاً اذا دخل مكروب او شئ غريب في الجسم – أمرت المراكز الحيويه بالمخ اجهزة الدفاع لطرد هذا الدخيل او القضاء عليه . ولسبب لاندري كنهه – يعامل الجسم شيئاً مألوفاً لنا لاضرر منه , بل قد يكون مفيداً – يعامله الجسم معاملته للغريب الضار – ويرفض قبوله وبقاءه في الجسم معلناً عن ذلك الرفض بصور شتى نسميها بالحساسيه .
فقد تضيق الشعب الهوائيه بالصدر كمحاوله لمنع استنشاق المزيد من هذه الماده او الرائحه من النفاذ الى الرئتين ومن ثم يحدث مايسمى بالربو الشعبي  Bronchial Asthma .
وقد يزداد نشاط الامعاء محدثه الاسهال , وانقباضات المعده محدثه القئ وهي كلها محاولات لطرد ذلك الشئ خارج الجسم . وعندما يعجز الجسم عن طرده وتصر على البقاء يغضب الجسم ويثور , ويعلن عن تلك الثوره على صفحات جلده في صورة حكه شديده وتدرنات حمراء مختلفة الاشكال ومتعددة الانواع والاحجام . وتختفي هذه التدرنات من مكان لتظهر في آخر – واذا ما حك الشخص جلده – في ذلك الوقت – في أي مكان – فسرعان مايظهر هذا التدرن مكان الحكه , حتى انه يمكن الكتابه على جلده بالاظافر او أي شئ خشن  Dermographism  , وقد يهرع المريض الى طبيبه ليرى هذه التدرنات فاذا ما ادركه لم يجد ما يريه له – وهذا هو مانسميه الارتكاريا Urticaria  .
وقد يلامس الجلد شيئاً ما – لايستسيغه – فيثور ويهيج ويحمر لونه مكان الملامسه , ويفرز الكثير من السوائل التي تجف على شكل قشور , ويسبب حكه شديده موضعيه , ويزيد الجلد من سمك طبقته الخارجيه التي تجف وتتشقق مما يزيد من الشعور بالحكه – وهذا هو نسميه اكزيما التلامس Contact Eczema , وهذه ايضاً حساسيه , مع ان هذه الماده لا تؤذي شخصاً آخر . ولذلك – فالحساسيه – يستوجب حدوثها شيئان اساسيان – جسم معين لديه استعداد خاص – وماده معينه لا يتقبلها ذلك الجسم – فهي كالنبات الذي نتج عن زراعه بذره خاصه في تربه خصبه – فلو ان التربه غير صالحة للزراعه او كانت البذره غير نشطه لما كان هناك نبات .

الحساسيه نوعان :
نستطيع القول ان الحساسيه نوعان – حساسيه عامه , وحساسيه موضعيه .
فالاولى – أي الحساسيه الجلديه العامه , اعراضها تظهر على الجلد على شكل ارتكاريا .
والثانيه حساسيه موضعيه – تتوقف اعراضها على مكان حدوثها والجهاز الحساس لها .
فلو كان الجهاز التنفسي , حدث الربو الشعبي , واما اذا كان الجلد فتحدث اكزما التلامس .
مما سبق – يتضح لنا انه لابد من وجود مسبب ولكل حاله سببها الخاص الذي يختلف من شخص لآخر – فما هذه الاسباب وكيف تتسلل الى الجسم ؟ .

الحساسيه الجلديه العامه :
بالنسبه للحساسيه الجلديه العامه – قد يصبح الجسم حساساً لاي نوع من المواد التي قد تدخل اليه عن أي طريق – سواء ذلك في الطعام او في الشراب او دواء يتطبب به , او رائحه يشمها او شئ عالق بهواء يستنشقه . ففي الطعام , نجد ان أي نوع من الاطعمه قد يكون مسبباً للحساسيه لشخص معين دون غيره – ومن اكثرها شيوعاً الحيوانات البحريه كالاسماك , وكذلك البيض واللبن ومنتجاته وبعض انواع الفاكهه كالموز والفراوله ... ونحن نذكرها على سبيل المثال لا الحصر – علماً بأن التوابل الحاره يفرز جزء منها عن طريق الجلد فاذا ما كان بالجلد حساسيه تزيد من هياجه وثورته . وعادة يكون الشخص حساساً لنوع واحد واحياناً اكثر من نوع , بمعنى ان من كانت لديه مثلاً حساسيه للسمك فلا داعي لان يترك الموز والبيض .

العقاقير قد تثير الحساسيه :
اما العقاقير فان أي دواء – دونما استثناء – قد يثير الحساسيه لدى الشخص المعرض لذلك واكثرها شيوعاً هو البنسلين والاسبرين – والغريب في هذا الامر انه كثيراً ما يكون الشخص معتاداً على تناول هذا الدواء منذ امد بعيد – وفجأة يرفض الجسم المزيد منه وتظهر الحساسيه كلما تناول منه ولو قدراً يسيراً – ومتى بدأ التحسس فأنه لايزول أي انه يجب ان يتوقف عن تعاطي هذا الدواء نهائياً والبحث عن بديل له يختلف عنه كيميائياً – وذلك يثير الكثير من حيرة المرضى وعدم تصديقهم لتشخيص الطبيب , فكيف يكون هذا الدواء هو السبب مع ان المريض يتعاطاه منذ زمن بعيد ولم يحدث شئ ؟
ومع تنوع العقاقير تزداد نسبة الحساسيه وتتخذ في بعض الاحيان اشكالا عديده مختلفه ومتنوعه يعرفها الطبيب وقد تحاكي في ظهورها الكثير من الامراض الجلديه المعروفه التي لاعلاقه لها بالحساسيه . ومنها ما قد يكون خطيراً كما هو الامر مع حساسية البنسلين – ومنها يختار منطقه معينه بالجسم في أي مكان – وقد يكون معها الشفه السفلى والاعضاء التناسليه – فاذا ما اخذ المريض الدواء المسبب للحساسيه تظهر في هذه المناطق بقع داكنه او سوداء عليها فقاقيع بها مصل كالماء تشبه في ذلك الحروق – وبعد ايام تزول الحكه ويبقى اللون – الى ماشاء الله – حتى اذا ما أخذ المريض نفس الدواء – ولو بعد سنوات – تنشط نفس هذه المناطق وتظهر حولها هاله حمراء ويجد المريض رغبه شديده في حكها . وقد تظهر معها بقع اخرى في مناطق اخرى – ومن هنا كان الاسم حساسيه دوائيه ثابته Fixed Drug Eruption  . لايشترط ان يكون الدواء قد وضع في مكان قريب ولكنه قد يكون دواء مليناً مثلاً – وهذا هو الاكثر شيوعاً – او دواء آخر بالفم او بالحقن او حتى قطرة عين او مرهم الجروح – نتيجة لامتصاص الدواء الفعال , وكثيراً مايكون ذلك صعب التفسير للمريض – فكيف يقتنع ان هذه البقع والحكه التي يشكو منها في شفتيه – سببها مسحوق مطهر يضعه على جرح في قدمه ؟
واكرر قولي السابق ان جميع الادويه قد تحدث ذلك , حتى انه قد يتعجب المرء حينما يعلم ان هناك حالات نادره نتجت عن تعاطيه ادويه مضاده للحساسيه .

حتى الهواء قد تكون من استنشاقه حساسيه :
اما عن استنشاق الهواء – فالهواء يعلق به الكثير مما لا نراه , كالغبار والاتربه والادخنه والابخره وكائنات حيه دقيقه تسمى بالبكتريا والخمائر Bacteria & yeast وهي كثيره جداً ومتعددة الانواع – او حبوب اللقاح الدقيقه التي تطير من بعض الاشجار والزهور في موسم التلقيح والتزهير او رائحة بعض هذه الزهور – وذلك لايخطر على بال الكثير – فقد يعجب المرء بزهره جميله زكية الرائحه وهو لايعلم انها سبب شكواه , وقد يكون السبب نوعاً من العطور الصناعيه على كثرتها – فيكفي ان يكون الشخص الحساس بجوار آخر يضع هذا النوع من العطور لكي يبدأ الاول في حك جلده . والسجائر ايضاً لها دورها – فقد تكون السبب في الحساسيه لدى بعض مدخنيها وهم لايعلمون , وقد تحدث الحساسيه نتيجة لاستنشاق رائحة ريش الطيور اثناء النوم على وساده جميله من الريش . وحتى قشرة الرأس قد تسبب الحساسيه لصاحبها نتيجة استنشاقها , وايضاً قد يكون الشخص حساساً لاكثر من ماده واحده .


اسباب لا حصر لها :
من ذلك نرى – ان اسباب الحساسيه لاحصر لها ولا عدد – واكتشافها سهل ولكن الامر الذي يكون عسيراً في كثير من الاحيان هو اكتشاف مسببها فذلك يستوجب دقه الملاحظه والصبر والجهد المضني من المريض قبل الطبيب ففحوص الحساسيه نادراً ماتفلح في كشف هذا الغموض .

الحساسيه الجلديه الموضعية :
ذلك عن الحساسيه العامه – فماذا عن الحساسيه الجلديه الموضعيه ؟
ذكرت قبلاً انه عند من كان لديه استعداد معين – اذا ما لامست جلده ماده معينه لا يرضاها جسمه – فان الجلد يثور ويلتهب – واذا تكررت ملامسة هذه الماده وتكرر الالتهاب حدث مانسميه اكزيما التلامس – وذلك يحدث في نفس مكان الملامسه . هذه المواد قد تكون أي ماده نراها حولنا ونتعامل معها في حياتنا اليوميه – في صحونا ونومنا ايضاً – وهي اكثر من ان يحصيها عدد . فمثلاً – كثير من ربات البيوت يشكين مما يسمى اكزيما ربات البيوت – وهي تبدأ عادة على الظهور في اليد اليمنى – لانها اكثر استعمالاً من اليد اليسرى , ولان الجلد بظهر اليد اقل سمكاً ومقاومه منه في باطنها – وذلك قد يكون نتيجة حساسيه للصابون . وخاصة ذلك الذي يحتوي على نسبة عاليه من القلويات – كالمسحوق المستعمل في التنظيف للاواني والملابس , والصابون في صناعته – يمر بالكثير من المراحل ويدخل في ذلك العديد من المواد الكيماويه والعطور والاصباغ لاعطائه اللون والرائحه المطلوبه – وتختلف هذه المواد من نوع لآخر – وعادة تكون الحساسيه نتيجة لاحدى هذه المواد او لاكثر من واحدة . وتغيير نوع الصابون – قد يبعد هذه الماده الضاره اذا كان خالياً منها . وهناك كثير من المواد التي يسهل اكتشافها بالفحوص – ولكن ليس من السهل ابدا الابتعاد عنها نهائياً – ومثال ذلك مادة ثاني كرومات البوتاسيوم Potasum Dichromate والمسئوله عن الكثير جداً في حالات الاكزيما باليدين والاقدام وغيرها من اماكن الجسم , فهذه الماده توجد – على سبيل المثال لا الحصر – في الصابون وقشور بعض الخضروات كالبطاطس والباذنجان – والكثير من انواع الطلاء الذي يطلى به الاثاث المنزلي والصبغات المختلفه التي توجد في الاثاث والملابس والاحذيه وادوات النجاره وادوات البناء المختلفه وغيرها . ومثال آخر لمسببات الحساسيه التي قد لا تخطر على الاذهان هو ملامسة الزهور او اوراقها عند هواة تربيتها او عند من يعملون بالزراعه – والجلد الصناعي نفسه من اشد المسببات لاكزيما القدمين حيث تأخذ شكل الاكزيما شكل الحذاء او النعل الذي يحمل في مادته السبب الذي يكون اما في مادة من المواد التي تدخل في صناعة الجلد نفسه او في صبغته وذلك يزول بمجرد تغير الحذاء .
واما مواد التجميل والاصباغ – فحدث عنها ولا تخف – فالكثير منها يسبب الحساسيه الشديده بالرأس والوجه واحياناً معجون الاسنان يكون سبباً في اكزيما تحدث حول الفم – ومن المواد الشائع استعمالها ايضاً ( المحدثه للكثير من انواع الحساسيه ) مادة النيكل Nickle التي توجد في الحلي البيضاء . وانواع الساعات المختلفه التي نربطها حول ارساغنا – او الازرار المعدنيه او المشابك التي توجد في بعض الملابس . وكذلك الملابس , فهناك مئات الانواع من الانسجه وما تحملها من مواد كيميائيه واصباغ مختلفه والكثير منها يحدث الحساسيه – فما ان ينتهي الشخص من خلع ملابسه حتى يبدأ بحك كل جلده .
هناك بعض الفحوص الجلديه Patch test  التي قد تساعد على اظهار الماده الكيميائيه المسببه – ولكن ليس هذا بمؤكد دائماً . وكثيراً ما يساعد مكان ظهور المرض على الشك في اسبابه او احتمالاته – فاكزيما القدم مثلاً قد تشير الى نوع من الجلد او المطاط او اصباغه – واكزيما الرسغ قد تشير الى مادة النيكل ومثل ذلك مكان ملامسة الحلي .
وهناك ملاحظه , هي ان هذا النوع من حساسية التلامس – يزداد بشده في فصل الصيف نظراً لان زيادة العرق يساعد على اذابة هذه الماده الكيميائيه المسئوله – وهي رغم انها كميه قليله الا انها كافيه لاحداث الحساسيه .

دور المريض :
اعود فأؤكد دور المريض وقوة ملاحظته في معرفة السبب – فالطبيب لا يستطيع ان ينظر الى الجلد ويحدد المسبب للحساسيه , ولكنه يضع احتمالات فقط – واذكر ايضاً ضرورة استشارة الطبيب المختص لمعرفة ما اذا كان ما يشكو منه المريض هو حساسيه فعلاً او مرض جلدي آخر – فهناك الكثير المتعدد من الامراض الجلديه التي تظهر على اشكال والوان وتحدث الحكه الشديده وتستدعي علاجاً معيناً ولا حاجه للمريض ان يدع طعاماً له او شراباً .
اعتقد ان ذلك يصحح الاعتقاد السائد بان الاكزيما لاتشفى , فالاكزيما قد تكون ناتجه عن الحساسيه وقد لا تكون – وتلك الناتجه عن الحساسيه كثيره ولكن ما يكشف من مسبباته ليس بالكثير . كلمه اخيره اقولها لمرضى الحساسيه , ان هذا المرض مزعج ولكنه ليس بالخطير .

الحساسيه العصبيه :
ولا ننسى ان من الاسباب الشائعه للحساسيه ما نسميه الحساسيه العصبيه Neurodermatitis وسببها الانفعال الشديد او المتاعب النفسيه – والقلق – وقد يكون القلق نتيجة الحساسيه وبذلك يسهم في تعطيل الشفاء .
.................................................................................................................................................................................
حكمة اليوم :  لا تحتقر الرأي الجزيل من رجل هزيل

"الأحلام والمستقبل"

منذ ان بدأ الانسان يتأمل ظاهرة الاحلام في نومه , ولعله بدأ ذلك منذ بداية الخليقه , رأى في احلامه واقعاً يختلف عن واقع يقظته , غير انه لم يتشكك في واقع وحقيقة ما عرض له في نومه , بل على العكس أعتبره واقعاً وحقيقه أعظم , واستجاب له بتقيد ومطاوعه تزيد على ما يستجيب له عادة لما يجري حوله من حوادث . وتفسير هذه النظره التخيليه للأحلام يعود الى معتقده بأنها صادره عن فعل إرادة قوه خارقه وغير طبيعيه مما لا يستطيع ردها او الاعتراض عليها . ومع انه فسر هذه القوه الخارقه في بعض الأحيان بأنها من فعل الشياطين او الارواح الشريره , الا  انه في الكثير من الاحيان رأى فيها فعل الآلهه , والتي تفرض نفسها في أحلامه لغرض او آخر , ومن هذه الأغراض تأنيبه على اغفال التكفير عن ذنب أتاه أما بحق الناس أو بحق الآلهه , ودعوته الى الاسراع في ذلك , ومنها انذاره بعواقب منتظره اذا لم يحاذرها بالتدابير اللازمه , واخيراً انباءه بما سيأتي به المستقبل القريب او البعيد له او لغيره من الناس , وهذا الغرض الأخير للأحلام هو الذي استحوذ على اهتمام الناس في الحضارات البدائيه والحضارات العريقه المتتاليه لآلاف السنين , والذي ما زلنا متأثرين به ولو بقدر ما حتى في عصرنا الحاضر .     
ان تاريخ البشريه حافل بالبينات التي تفيد باعتقادات الناس بان الاحلام تنبئ بالمستقبل خيراً او شراً , سواء كان الإنباء قاطعاً لايقبل الجدل , او كان تحذيراً يمكن تلافيه بمطاوعة ما يقتضيه التحذير , ومن هذه البينات ما جاء على شكل أساطير او روايات فولكلوريه او نصوص تاريخيه او معتقدات متوارثه من جيل الى جيل , ومنها ما نشاهده في معتقدات الاقوام البدائيه والتي لم تتصل بالحضارات المتعاقبه منذ عصور ما قبل التاريخ , وهنالك الكثير من الروايات المعاصره والحاليه والتي تدلل على ان هنالك من الناس من مازال يؤمن بأن الاحلام تكشف عن المستقبل , ولعل هذا الاعتقاد هو أكثر من أي معتقد آخر حول معنى الاحلام , هو الذي دفع الناس من خاصه او عامه للسعي الى تفسير الاحلام لعلهم يجدون فيها مايمكن ان تنبئ به عن المستقبل , لعله يكون بالامكان تدارك ما سيقع بوسيله او اخرى من الحيطه والالتماس والتوسط والتكفير والاستغفار وغيرها من الوسائل المتاحه للانسان في علاقته مع القوى المسيطره على احلامه وعلى مصائره .
ولقد اختلطت الروايات مع الأساطير العقليه في التنويه بأهمية الاحلام كمؤشرات لما سيأتي به المستقبل , والأصل في الحالتين هو الاعتقاد بأن ما يعرض للفرد في حلمه هو من فعل قوه عظيمه , ولعل هذا الاعتقاد كان له أثره ليس في التصديق بالاحلام فقط , وإنما ايضاً في تكوين المعتقدات الدينيه الاولى في حياة الإنسان , إذ ليس هنالك في حياة الفرد من تجربه اكثر عجباً وغرابه من تجربة الأحلام , ثم انها التجربه الوحيده التي مكنت الفرد من الاتصال بما هو غير منظور في يقظته , وهي القوى العظيمه والهائله التي تسيطر على مصيره والتي طالما حاول التوصل اليها عبثاً في يقظته , ولهذه لم يكن عجباً ان الانسان في الحضارات القديمه كلها قد آمن بأحلامه , وبكونها وسيله لكشف المستقبل وما سيحدث فيه ... ففي حضارات مابين الرافدين القديمه كلها سادت مثل هذه المعتقدات , وفسرت الأحلام بأنها انباء بالمستقبل تخبر به الآلهه الحالمين بها , وكان منها ما هو متعلق بالموت والحياة , والحرب والسلم , واليسر والعسر , والصحه والمرض , والسفر والعوده , والنصر والهزيمه , والإثم والثواب , والخصب والبوار , والفيضان والجفاف , وغيرها من المتضادات والتي تتكون منها تجارب الانسان وتقرر مستقبله , فحلم آشور بانيبال دفعه الى محاربة العيلاميين مطاوعه لأمر من ربه عشتار , وهو إله الحرب والخصب , وبأن يفعل ذلك , وحلم نبوخذنصر وفسر حلمه بأنه سيفقد عقله .
وفي الحضاره الاغريقيه سادت معتقدات مماثله عن نبوءة الأحلام ففسرت الظواهر الطبيعيه في الأحلام بأنها تنذر وتبشر بما سيحدث في المستقبل , وشيدت الهياكل العديده في أنحاء اليونان لتفسير الأحلام من كهنه أختصوا بذلك , وأطاع الأصحاء والمرضى على حد سواء ماتضمنته الاحلام من تعاليم وتوقعات , ففي الأدوسي للشاعر الأسطوري هومر ظهرت الآلهه أثينا للفتاة الشابه (نوزيكا) على شكل صديقه للفتاة , وطلبت اليها ان تتخلى عن عزلتها وان تتوقف عن اهمال نفسها وهندامها , وحثتها على ان تقوم بجمع ملابسها في اليوم التالي وان تذهب لتنظيفها في بركة الماء , ففعلت ما وجهها اليه الحلم , وهنالك التقت بالذي قذفته العاصفه وهواوديسوس , وتزوجا . ومثلها ما سعى اليه أخليس في حرب طرواده , في طلب الهدايا في الحلم لمكافحة الوباء في جيشه . 
وفي الحضاره الرومانيه روي بأن الامبراطور اوغسطس راح يستجدي العطاء لأنه طلب اليه فعل ذلك في حلمه , وقد جاء ايمانه العميق بالاحلام نتيجة لأنقاذ حياته عن طريق حلم احد اصدقائه والذي حذره فيه من الخطر المحيط به .
وفي الحضاره المصريه الفرعونيه الكثير من الروايات عن احلام الفراعنه ودلالاتها المستقبليه , ولعل اهمها هو حلم فرعون الذي فسره يوسف عليه السلام . ولعل الفراعنه كانوا اكثر من غيرهم ايماناً بما ترمز اليه الاحلام ودلالاتها المستقبليه , وقد امتد هذا الاعتقاد الى عامة الناس , ومن اجل تفسير هذه الرموز الحلميه أنشئت المعابد الخاصه عبر البلاد بكاملها لهذا الغرض .
وفي التوراة , كما كتبت (وقد كتبت اكثر من مره) نجد بأنها خصت الاحلام بأهتمام عظيم , فقد شغلت الاحلام سبعين فقره منها , وكذلك التلمود (الفلسطيني منه والبابلي)  فانه يحتوي على الكثير من الاحلام , وقد تضمن التلمود البابلي اربعة اسفار عن الاحلام (الاسفار 55- 58) وقد انعكس هذا الاهتمام التوراتي والتلمودي بالاحلام على رجال الدين , فإنصرفوا الى تفسير الاحلام , ومن اقوال احدهم ما يدلل على ما حظيت به الاحلام من اهتماماتهم وذلك بقوله (إن الحلم الذي لايمكن فهمه , هو كالرساله التي لا تنفتح ) . ومما يقتضي ذكره ان النبي دانيال كان اكثر من اشتهر بتفسير الاحلام في زمنه وبحدوث الرؤيا له في احلامه , وقد فسر الكثير من الاحلام لملوك بابل , ومنها حلم نبوخذنصر والذي فسره بأن نبوخذنصر سيصاب بالجنون , كما انه استطاع ان يستعيد حلم نبوخذنصر الذي نسيه نبوخذنصر نفسه , وان يفسر محتواه , كما قام بتفسير احلام ملوك الفرس ومنهم داريوس وكورش . ومما يلاحظ هو ان الإنجيل لا يحتوي على أي إشاره الى احلام السيد المسيح عليه السلام , اما القرآن الكريم , فقد تضمن الإشاره الى حلم النبي يوسف عليه السلام وتفسيره لحلم فرعون , وفي الحالتين تدليل على تشوف الاحلام للمستقبل وإنذارها او تبشيرها بما سيأتي .
تبين الدراسات الأنتروبولوجيه للكثير من الاقوام البدائيه بان احلام هذه الاقوام تحمل انباءً مسبقه للمستقبل , من مرض او مصيبه , وقد ترك للطبيب البدائي امر العمل على درء هذه المصائب بطريقه او أخرى من الطرق المعروفه في الحضاره التي ينتمي اليها الحالم والطبيب , وقد افادت احدى هذه الدراسات بأن الفتى او الفتاة يصبحان مؤهلين للحلم على شريطة ان لا يكونا قد مارسا العمل الجنسي بعد , وعندما يقوم الواحد منهما بالصوم لثمانية او عشرة ايام , ثم الصلاة طلباً لظهور رؤيا من قوى مافوق الطبيعه , ونتيجة ذلك هي ظهور الحلم الذي ينبئ بمستقبل الحالم . ومن احلام احد الاقوام (اوجلالا سيوكس Oglala Siox ) , ان الفتى قد يواجه في حلمه بإختيار صعب , فهو قد يرى القمر بذراعين واحد يحمل قوساً ونشاباً , والثاني يحمل رباطاً (شيالا) للحمل , وعليه ان يختار احدهما , وقد يساهم في إرتباكه ان تتقاطع يداه , فإذا اختار من بين اليدين المتقاطعتين تلك التي تحمل رباط الحمل فقد قدّر له ان يعيش ما تبقى من حياته كامرأة , وعليه أن يتزوج رجلاً وأن يقوم بعمل المرأة , ويسمى مثل هذا المستخنث (برداخي) , غير ان الانتحار قد يكون الوسيله الوحيده للتخلص من مثل هذا القدر الذي أنبأ به الحلم عن مستقبله .
وفي العصور الوسطى في اوربا ظل الاعتقاد قائماً بأن الرب او القديسين , قد يظهرون في احلام الناس , غير ان باب الاحلام ظل مفتوحاً ايضاً لزيارة الشياطين المتخفين على شكل او آخر , مما له ان يربك الحالم , وهو ما دعا مارتين لوثر الى الصلاة طالباً من الله ان لا يتحدث له في احلامه . وفي العصور الحديثه استمر الاعتقاد في بعض الاوساط بان الاحلام تنبئ بالمستقبل , ومما يذكر في هذا الشأن ان ابراهام لنكولن قد حلم بموته , وقد اعتبر حلمه تنبؤاً باغتياله الفعلي . لقد كان من الطبيعي ان تظهر عبر التاريخ بعض الآراء التي تعارض الأعتقاد السائد برؤيا الاحلام عن المستقبل , وهنالك من البينات بأن بعض الناس وبعض الحضارات والاقوام كانت اكثر او اقل من غيرها إيماناً بهذا الاعتقاد وإستجابه لمقتضياته , ومن الذين بحثوا في هذا الموضوع او فندوا مستقبلية الاحلام هو الفيلسوف أرسطو والذي بين معارضة لهذه النظريه في واحد من ثلاث كتبه عن الاحلام وهو كتاب عن النبوءة في الاحلام , وكان من رأيه ان ما يبدو في الاحلام كرؤيا للمستقبل ماهو في الواقع الإّ من فعل الاحلام ذاتها على الفرد في حالة اليقظه , فلهذه الاحلام ان تكون بمثابة البدايه لأفكار اليقظه , كما ان لها ان تؤثر على سلوك الفرد بحيث يأتي مشابهاً لما ورد في الحلم , ولهذا ان يفسر خطأ بأن الحلم تنبأ بالمستقبل فعلاً .
وفي الاسلام , نجد بان القرآن الكريم بينما اورد الاشاره الى رؤيا الانبياء , او تفسيرهم لمثل هذه الرؤى في النوم , بأنه نهى عن السعي الى تفسير الاحلام تفادياً لأختلاط الرؤيا بالاضغاث من احلام الناس . وفي العصور الحديثه قام من يفند مستقبلية الاحلام , ومن هؤلاء جون وزلي John Wesley , والذي من رأيه ان (الحلم هو قطعه من الحياة , كسرت من جانبيها, لا تتصل بشيء , لا بالجزء الذي كان من قبل , ولا بالذي يتبع من بعد , .... انها اشبه بالفاصله ادخلت في الحياة ....) .
وقد تناول فرويد بإختصار هذا الموضوع , ذلك انه لم يكن من المؤمنين بمستقبلية الاحلام بل على العكس تماماً رأى فيها تعبيراً عن الماضي الطفولي المكبوت , وهو يقول في الفقره الختاميه من كتابه (تفسير الاحلام) , مايلي : ( ثم ماذا عن فائدة الاحلام فيما يخص معرفتنا للمستقبل ؟ ان ذلك بطبيعة الحال محال , ان الواحد يرغب في استبدال (فيما معرفتنا للمستقبل) بالكلمات : (فيما يخص معرفتنا بالماضي ) , ذلك انه من كل جانب , فإن الحلم له اصوله في الماضي . ان المعتقد القديم بان الاحلام تكشف عن المستقبل هو حقاً ليس بالقول الخالي كلياً من الحقيقه , فالحلم بتمثيله للأمنيه وقد تحققت , فأنه بالتأكيد يقودنا نحو المستقبل , غير ان هذا المستقبل الذي يتقبله الحالم بأنه واقعة الحاضر , إنما قد تكوّن على شبه الماضي بفعل الأمنيه التي تفنى ) , وللقارئ ان يجد شبهاً بين رأي كل من أرسطو وفرويد , وأن كان رأي أرسطو يبدو اكثر ديناميه, فهو يعطي للحلم فعلاً إستمراريه في حياة اليقظه , وهو عكس فرويد يجد الفعل في خلق المستقبل على شبه الحلم , لا خلق الحاضر على شبه الماضي .


حكمة اليوم :  إن كان للمرء عزمٌ في إرادته ... فلا الطبيعة تثنيه ولا القدرُ

إِخفاقُ الكُليَتَين
في وظيفتهما..أو
التَّسَمُّم بالبَولِينَا

 

الكليتان اهم اجزاء الجهاز الافرازي البولي وهما من الاعضاء الحيويه كالقلب والرئتين ولديهما احتياطي ضخم بحيث يستطيع الانسان ان يعيش بنصف كليه فقط حياة طبيعيه كما ان لديهما القدره على مقاومة الامراض . ولكن اذا تمكن المرض منهما فان النتيجه تكون خطيره وتنتهي بالتسمم البوليني . ويطلق اسم – تسمم البولينا Uraemia على الحالات المرضيه التي تنتج عن الفشل الوظيفي للكليتين , والاصح ان تسمى هذه الحالات بفشل الكلى أو اخفاق الكلى .
وبالرغم من ان مادة البولينا Urea   ليست ماده سامه في ذاتها الا ان وجودها في الدم بنسبة تزيد على 40 ملغم في المائه يدل على ان هناك عله ومرضاً , اما في الكليتين معاً , او في احداهما , او خارجهما وان هذه العله اثرت عليهما تأثيراً مرضياً غير مباشر , ادى الى تعطيل وظيفي فيهما . وقد يكون هذا القصور الوظيفي قصوراً جزئياً او قصوراً كلياً . ان ارتفاع نسبة مادة البولينا في الدم تشير بصوره قاطعه الى حدوث تغيرات كيمياويه متعدده في الدوره الدمويه التي تؤثر بدورها تأثيراً ضاراً على معظم اجهزة الجسم المختلفه بحيث يفهم الطبيب اعراضها وعلاماتها . وهي بذلك تدل على ان الجهاز الافرازي للكليتين قد اصابه خلل يتحتم على الطبيب معالجته , خوفاً من تأصل المرض فيهما , او امتداده ليشمل اجهزة حيويه اخرى , مثل الاوعيه الدمويه والقلب والجهاز العصبي بشقيه الطرفي والمركزي .
مما تقدم ذكره نرى ان ظاهرة ارتفاع معدل البولينا في الدم هي في الحقيقه تعبير اكيد لمرض خطير يصيب الجهاز البولي في الانسان .
وانطلاقاً من هذا المفهوم , ولكي يتمكن القارئ من متابعة البحث سوف نطلق لفظ البولينيه حينما نقصد الاخفاق الوظيفي للكليتين .

الصفة التشريحيه واهم الوظائف الافرازيه للكليتين :
وقبل ان نستطرد في وصف تلك الحاله المرضيه – تسمم البولينا – يجدر بنا ان نذكر باختصار الصفه التشريحيه واهم الوظائف الحيويه التي يقوم بها الجهاز البولي في الانسان , ونلخصها فيمايلي  :
1. الصفة التشريحيه للكليتين : يوجد في الانسان السوي كليتان , كل منهما في حجم قبضة اليد , تشبه في الشكل حبة الفاصوليا , وتزن في متوسطها حوالي 150 غم , وهما مثبتتان في الجدار البطني الخلفي على جانبي الفقرات القطنيه من العمود الفقري . وتحتوي الكليه الواحده على حوالي مليون وحده افرازيه (نفرون Nephron) كل منها تتكون من كرة ضئيله من الشعيرات الدمويه تنتهي بقناة طويله متعرجه ومتعددة الوظائف بحيث يختص كل جزء من هذه القناة الدقيقه بافراز او امتصاص ماده او اكثر من الاملاح والاحماض والسكريات والزلاليات , ثم يتجمع عدد من هذه القنوات , لتكون قناة اكبر تحمل البول بمكوناته المعروفه من ماء وبولينا واملاح واحماض ومعادن بنسب ثابته , طبقاً لحاجة الانسان , رغم ما يعتريه من تغيرات في محيط بيئته . ثم يتجه البول في الحالبين الى المثانه الى ان تمتلئ وحينئذ يشعر الانسان بحاجته الى التخلص من مخزون بوله . ويتفاوت حجم البول بين لتر ولترين يومياً . ومقدار الدم الذي يصل الى الكليه في الدقيقه الواحده يبلغ 1300 سم3 بما يعادل ربع الدفع القلبي من الدم كما يبلغ ضغط الدم داخل الشعيرات الدمويه في الكليه الى 70 ملمتر . تلك الكميه الكبيره من الدم مع هذا الارتفاع في الضغط داخل الوحدات الافرازيه – يمكنها من تقطير الدم وتنقيته من الشوائب والفضلات الضاره بصحة الانسان , ويتخلص منها بافرازها في البول .
2. وظائف الكليتين : ان وظائف الجهاز البولي معقده للغايه , ولا يزال الكثير منها غامضاً ومغلقاً على الافهام , ولكن باختصار شديد نذكر اصولاً عامه من المؤكد ان الجهاز البولي يقوم بادائها .
• تنظيم كمية الماء والاملاح في الجسم بحيث يحتفظ الجسم بما يحتاجه من سوائل ومعادن ويتخلص من الزيادات الفائضه عن حاجته وهو بذلك يستطيع مواجهة تقلبات البيئه في حالات الصحه والمرض .
• التوازن بين العناصر القلويه والاحماض في الدم بحيث يظل تفاعل الدم متعادلاً  مع ميله بعض الشئ الى الجانب القلوي PH 7.4   وذلك التفاعل حيوي وضروري لاستمرار الحياة , اذ تعمل اجهزة الجسم في ظل هذا المستوى من القلويه .
• الاحتفاظ بالمواد الغذائيه الحيويه للجسم . مثل السكريات والزلاليات والمعادن والاحماض , وهي التي تمد الانسان بالطاقه ومقومات الصحه الجيده .
• افراز المواد السامه والعقاقير والفضلات الضاره بالجسم وتنقية الدم من جميع الشوائب .
• وظائف هرمونيه : حيث تسهم الكليتان في افراز هرمونات خاصة تحافظ على ثبات معدل ضغط الدم لدى الانسان وتمنع ارتفاعه .

انواع تسمم البولينا :
ونعود مرة اخرى الى دراسة موضوعنا – تسمم البولينا – فنجده ينقسم الى ثلاثة انواع :
1. البولينيه الكلويه Renal Uraemia وهي تلك الانواع الناتجه عن اصابة الكليتين بأضرار نسيجيه مثل التهابات الكلى الحاده والمزمنه .
2. البولينيه قبل الكليتين Prerenal Uraemia وهي تلك التي تنتج عن امراض بعيده عن الكليتين , ومثال ذلك حالة قصور وهبوط الدوره الدمويه .
3. البولينيه بعد الكليتين Postrenal Uraemia وهو التسمم الذي ينتج عن انسداد في مجرى المسالك البوليه بعد الكليتين , وهو يعوق جريان البول وتصريفه الى خارج الجسم بصوره طبيعيه .
وفي جميع الانواع السابقة الذكر يحدث التسمم في احدى صورتين :-
الاولى : التسمم البولي الحاد  Acute Uraemia .
الثانيه : التسمم البولي المزمن Chronic Uraemia .
وسنتناول بشيء من التفصيل امراض كل نوع على حده :

1) تسمم البولينا الكلوي : Renal Uraemia
احياناً ينتج هذا النوع من التسمم بعد اصابة الانسان بالتهاب الكليتين الحاد او المزمن , اذ يظهر في صورة ارتفاع في ضغط الدم , او ظهور الزلال في البول , ويشكو المريض من زياده الادرار البولي , والعطش , والضعف العام , وقلة النشاط , وربما يشكو كذلك من القئ او الاسهال , وهذه الاعراض تشبه تلك التي تحدث في مرض البول السكري , وفي حالات اخرى ربما يصاب المريض بصداع حاد , وضعف في قوة الابصار , وفقر الدم , مما يؤدي به الى ضيق في التنفس , وارتجاف العضلات , ونوبات اغماء . ومع امتداد الزمن تتدهور القوه الوظيفيه للكليتين , وتتراكم الفضلات السامه في الجسم , وترتفع نسبة مادة البولينا Urea في الدم ويتلون الجلد باللون الاصفر البني . وقد يؤثر ارتفاع ضغط الدم على القلب والدوره الدمويه وينتهي الامر بهبوط في القلب . ونادراً ما يتورم الجسم ولكنه في معظم الاحيان يفقد كميه كبيره من السوائل والاملاح . وفي الحالات الخطيره الميئوس منها يحدث النزيف في أي موضع في الجسم ونلاحظه تحت الجلد او رعاف من الانف او نزيف من اللثه او من المعده او الامعاء .
وهناك علامات مرضيه , واخرى شعاعيه – بجانب الفحوصات المختبريه – يستعين بها الطبيب لمعرفة المرحله المرضيه وخطورتها ومن ثم اختيار الاسلوب المناسب للعلاج .
وهناك قائمه من امراض الكليتين قد تؤدي في النهايه الى التسمم البوليني ونذكر منها :-
ارتفاع ضغط الدم غير معروف السبب , التهاب الكليتين المتقيح , تضخم الكليتين المائي , تكيس الكليتين الخلقي وضمورهما ثم امراض شرايين الكليه , وداء البول السكري .
علاج التسمم الكلوي : لابد وان يعالج المريض المصاب بتسمم البولينا في المستشفى تحت اشراف طبي وتمريضي دقيقين , حيث تحدد نوعية وكمية الطعام والسوائل والاملاح . ويعالج من فقر الدم , ومن الاصابه بالجراثيم , كما تعالج مضاعفات التسمم اينما وجدت , سواء كان ذلك في الجهاز الدوري او القلب او الجهاز العصبي المركزي او المسالك التنفسيه والرئتين .

طرق علاج قصور الكليتين :
هناك طريقتين في العلاج هما :
1. Haemodialysis طريقة تنقية الدم من الشوائب والمواد السامه وتعطي نتائج محدودة النجاح ولكنها على درب التحسين والتطور وتتعلق الانظار وتبنى الآمال على هذا النوع من العلاج في المستقبل .
2. زرع الكليه Renal Transplantation  : ان ازالة الكليه المصابه من المريض او الكليتين معاً واستبدالهما بزرع كليه سليمه من متطوع او من انسان فارق الحياة حديثاً . افضل كليه تؤخذ من سليم الى مريض هي كلية الاخ التوأم لاخيه المريض , اذ اثبتت الدراسات ان المريض بعد زرع الكليه فيه يتمتع بحياة سويه لعدة سنين وهذا لايعني ان زرع الكليه من متطوع او من جثه لا فائده منه ولكنه يعني في هذه الحاله ان هناك بعض الصعوبات والعقبات التي لايفتأ العلماء يعملون في دأب لتذليلها , او السيطره عليها .
2) التسمم البوليني القبل الكلوي  Prerenal Uraemia :
من اهم اسباب هذا النوع من التسمم ان يفقد الجسم جزءاً كبيراً من سوائله , ويترتب على ذلك هبوط في الدوره الدمويه , وانخفاض في ضغط الدم . والسبب في ذلك ان الكليه لا تؤدي وظيفتها بصوره طبيعيه (حينما يأتيها 25% من حجم الدم مدفوعاً من القلب تحت ضغط عال لا يقل عن 70 مم من الزئبق) . فاذا ما نقصت كمية الدم او انخفض ضغطه تأثرت القوه الافرازيه والوظيفيه للكليتين , بحيث ينقص حجم البول , او ينعدم تماماً , ويتبع ذلك الحاله المرضيه للتسمم المذكور . ويحدث هذا في الاحوال التاليه:-
أ‌- النزيف الدموي اياً كان موضعه وبكميه كبيره في وقت قصير نسبياً .
ب‌- الحروق الشديده والكسور حيث يفقد المحروق كميه كبيره من البلازما (السائل الدموي اللاخلوي ) داخل الانسجه او خلال الحروق .
ت‌- فقدان جزء كبير من الماء والاملاح في حالات القيء والاسهال وحالات داء البول السكري والعرق الشديد كما يحدث في حالات ضربة الشمس في المناطق الصحراويه الحاره .
ث‌- حالات نادره كما نراها عقب بعض العمليات الجراحيه والتخدير العام او التسمم الجرثومي او هبوط القلب .
وتعالج هذه الحالات بمنع اسباب حدوثها وتعويض الجسم ما فقده من سوائل واملاح بنقل الدم او باعطاء محاليل السكر والملح وهذا النوع سريع الاستجابه للعلاج ونسبة الشفاء فيه عاليه ولا يترك آثاراً مرضيه على الجهاز البولي .
3) التسمم البوليني البعد الكلوي  Postrenal Uraemia :
من الحالات النادرة التي يحدث فيها هذا النوع من التسمم تلك التي يكون انسداد المجاري البوليه من الجهتين كما نلاحظه في حالات تضخم غدة البروستات لدى الرجال في السن المتقدمه من العمر او عندما ينسد الحالبان نتيجة حصوات في الجهاز البولي او انسداد مجرى البول بواسطة جلطه دمويه او صديد او اورام . كما ان ضيق الحالبين من اثر تليف مرضي بهما او من أي سبب آخر يؤدي كذلك في النهايه الى هبوط الكليتين . ان النتيجه الطبيعيه للأنسداد المزمن هو تمدد في الحالبين وركود في البول مما يمهد الطريق لتلوث المجاري البوليه ويعقبه التهاب الكليتين المتقيح وتضخمهما وبالتالي الفشل الوظيفي لهما واخيراً التسمم البوليني ومضاعفاته .
وعلاج هذه الحاله يكون بازالة الانسداد حيثما وجد والتخلص من آثاره وخاصة في الاطوار الاولى للمرض قبل ان تتهتك الانسجه الكلويه وتفقد قوتها الافرازيه .

الوقايه من تسمم البولينا : ان الطب الحديث بمفهومه العصري يرتكز على الوقايه وحماية الانسان من المرض وتحصينه ضد الآفات قبل حدوثها . ومن ثم فان مراعاة القواعد الصحيه العامه هي الضمان الاكيد ضد الامراض بصفه عامه وهذا المرض بصفه خاصة . فاذا ما شعر الانسان باضطرابات بوليه كأن يتغير لون البول الى احمر او يتعكر لونه او يختلط البول بدم او صديد او يقل حجمه او يُكثر المريض من التردد على دورة المياه للتبول ليلاً ونهاراً فيجب عليه ان يراجع الطبيب المختص لاجراء الفحص والتحاليل المناسبه للقضاء على المرض عند بدايته . كما تجب الاستشاره الطبيه المنتظمه في حالة ارتفاع ضغط الدم او في حالة اصابته بمرض مزمن كداء البول السكري او البلهارسيا البوليه او أي مرض يتعلق بالكليتين او بالجهاز البولي .
كما ان كبار السن من الرجال يجب فحصهم لاستبعاد تضخم غدة البروستات لضمان جريان البول دون احتباس او دون ركوده في المثانه لمده طويله مما يمهد الطريق للالتهابات الجرثوميه . وبالنسبه للاطفال فان التهاب اللوزتين وتقيحهما من المقدمات المرضيه للالتهاب الكلوي . واود بان اشدد على مستوى النظافه والطهاره وغسل اعضاء الاخراج غسلاً جيداً لكي يمنع تلوث المجاري البوليه وخاصة لدى النساء وعلى الاخص الحوامل منهن . اما بالنسبه الى سكان المناطق الحاره فانه من المستحسن ان يتناول الانسان كميات كبيره من الماء والاملاح في فصل الصيف ليعوض ما يفقده من العرق الغزير الذي تسببه حرارة الطقس .
ان الانسان الذي يتبع التعليمات الصحيه الآنفة الذكر ويتخير طعامه وشرابه ويصون نفسه من العدوى والجراثيم ويبادر الى استشارة الطبيب عند ابتداء مرضه , كما يستمع الى نصحه لهو الانسان الجدير بكل خير , ولانشك مطلقاً في ان هذا المواطن الواعي يكون ابعد عن التردي في هوة المرض كما يكون اصح بدناً وانفع لوطنه وامته .


حكمة اليوم:  الابتسامة كلمة معروفه من غير حروف

نزيف
ماقبل الولادة
" لقد خلقنا الإنسان في كبد "
                                       قرآن كريم


ان تجربة الولاده لهي من اهم واعنف التجارب التي تمر بحياة المرأة , هذه التجربه بكل آلامها وآمالها وتوقعاتها بل وهواجسها ومخاوفها هي ضريبة العناء للمرأة في هذه الحياة , و(( جواز المرور )) لعالم الامومه الرائع الذي ينسيها كل ما عانته وقاسته من آلام الحمل والولاده .

التعريف :
نزيف ما قبل الولاده  Antepartum haemorrhage هو حاله كثيراً ما تعرض للأطباء في المستشفيات وعياداتهم الخاصه , ومركز رعاية الامومه والطفوله . وتطلق عادة على كل نزيف دموي رحمي يحدث بعد الاسبوع الثامن والعشرين من الحمل أي من الشهر السابع الى الولاده .
وبمعناها العلمي المحدد : تعني أي نزيف دموي يحدث من مكان زرع المشيمه في جدار الرحم , سواء أكانت هذه المشيمه في مكانها الطبيعي او في غير مكانها الطبيعي من جدار الرحم .  

صفة الرحم التشريحيه والوظيفيه عند الولاده :
يتعين علينا ان نفهم الصفه التشريحيه للرحم في الاسابيع الاخيره من الحمل , ففي هذه المرحله واستعداداً للولاده يتكون الرحم من جزءين تختلف وظيفة كل جزء منهما عن الآخر عند بدء عملية الولاده , فالجزء العلوي Upper uterine segment تكون وظيفته الانقباض والانكماش بصوره منتظمه متقاربه , لدفع الجنين عبر قناة الولاده الى الخارج , اما الجزء الاسفل lower uterine segment فوظيفته التمدد والانبساط , ليكوّن مع قناة المهبل قناة واحده هي قناة الولاده التي يمر فيها الجنين الى الخارج . وهذا الاختلاف الوظيفي بين جزئي الرحم يكون اوضح ما يكون عند ابتداء الطور الاول للولاده .

اين تزرع المشيمه في الرحم ؟
الوضع الطبيعي للمشيمه Placenta يكون دائماً في الجزء العلوي من الرحم اماماً او خلفاً : ولا تخرج من الرحم الا بعد خروج الجنين نهائياً منه لكي تأتي بعده لا قبله . هذا الترتيب الدقيق المحدد لازم لا تمام عملية الولاده بصوره طبيعيه بأقل كميه ممكنه من النزيف الدموي . اما اذا اختلف هذا الترتيب لسبب او آخر , كأن تزرع المشيمه اسفل الجنين – وليس اعلاه , لتخرج قبله لابعده – فهنا يحدث النزيف الذي نسميه نزيف ما قبل الولاده .


صعوبة تشخيص نزف ماقبل الولاده :
الصعوبه التي يلقاها الطبيب عندما تواجهه بعض حالات النزيف هذه تكمن في صعوبة تشخيص سبب هذا النزيف من اول وهله , وعليه ان يبدأ فوراً في العلاج لاسعاف المريضه النازفه , جنباً الى جنب مع الجهود التي يبذلها ليصل الى السبب , بالاستعانه بالوسائل التشخيصيه التي في متناول يده والتي تحتاج لكثير من الوقت والجهد .

الاسباب التي تؤدي الى نزيف دموي قبل الولاده :
1. المشيمه المعيبه  Placenta Praevia .
2. النزيف العرضي Accidental haemorrhage  .
3. نزيف من غير مكان المشيمه .
4. الحبل السري المعيب  Vasa praevia .
5. اسباب لايمكن تحديدها او معرفتها وهذه قد تصل الى 25% من الحالات , ولكن ما يقصد بتعبير (نزيف ما قبل الولاده) هو ما ينتج عن السبب الاول والثاني فقط , أي من مكان المشيمه كما سبق في التعريف .

السبب الأول :
المشيمه المعيبه  Placenta praevia  وفي هذه الحاله تتخذ المشيمه وضعاً غير طبيعي بأن يكون مكانها في الجزء السفلي من الرحم بدلاً من العلوي . وهذا الجزء يبدأ في التمدد في الاسابيع الأخيره للحمل بسبب انقباضات الجزء العلوي , وهذا يسبب انفصالاً للمشيمه عن جدار الرحم , حيث انها لا تتمدد كما يتمدد , ونتيجة لهذا الانفصال تتقطع الاوعيه الدمويه التي تصل المشيمه بالدوره الدمويه للأم والتي تغذي الجنين , فيفقد بذلك جزءاً من غذائه الحيوي اللازم لبقائه , وتصبح حياته داخل الرحم مهدده . وهذا هو السبب في خطورة هذا النزيف فضلاً عن تهديده لحياة الأم نفسها اذا زاد وكثر . 

درجات المشيمه المعيبه :
اندغام المشيمه المعيب هذا يتخذ اربع درجات هبوطاً في هذا الجزء من الرحم , اخطرها ماغطى العنق الداخلي للرحم كلياً , وهو في تمام تمدده , حيث لاتكون هناك فرصه للجنين لكي يمر الا بعد الانفصال الكامل للمشيمه , وذلك يحرمه تماماً من الدم والاوكسجين فيهلك داخل الرحم .
تشخيص هذه الحاله يعتمد على :
• التاريخ المرضي  History : نزيف دموي رحمي متكرر ليس له سبب واضح ولا يصاحبه أي ألم .
• الفحص السريري : مع تجنب الفحص المهبلي بصفه قاطعه . وفيه يلاحظ الطبيب ان البطن لين , خال من الانقباضات والتشنجات , وان اجزاء جسم الجنين محسوسه , ونبض قلبه مسموع , وان مجئ الجنين سواء أكان بالرأس او المقعد غير منحشر في الحوض وعال في الرحم لوجود المشيمه اسفل منه .
• الاشعه السينيه العاديه , وهذه ليست بذات فائده كبيره .
• تصوير المشيمه بالأمواج فوق الصوتيه  Ultrasonic Placentography , وهذا الفحص أستنبطه بروفيسور (دوناك) بجامعة جلاسجو باسكتلندا المبني على فكرة اعتمدت عليها البحريه البريطانية في تحديد مكان غواصات الأعداء في اعماق البحار باستخدام الامواج فوق الصوتيه , ومن مميزات هذا الجهاز سلامته التامه بالنسبه للجنين الذي تضر به انواع الاشعاعات الاخرى .  

العلاج :
اولاً : العلاج العام :
الراحه التامه في السرير .. اخذ العينات الكافيه من الدم لتحديد فصيلة دم المريضه ونسبة هيموجلوبين الدم .
تجهيز كميات كافيه من الدم لنقلها للمريضه في حالة ازدياد النزيف او استمراره لعدة ساعات , وفي هذه الاثناء تجري الأبحاث الخاصة لتحديد مكان المشيمه في الرحم اذا كانت حالة المريضه العامه وميقات الحمل يسمحان بذلك .
اذا كان الحمل مازال مبكراً – حول الشهر الثامن مثلاً – وتوقف النزيف بعد وصول المريضه للمستشفى مباشرة , وظل متوقفاً لعدة ايام وتأكد لدى الطبيب المعالج ان الحاله تعتبر من الحالات الطفيفه غير ذات الخطر فيمكن للمريضه – اذا اصرت على ذلك – استئناف الراحه التامه في منزلها مع التزامها بالعوده مباشرة الى المستشفى اذا احست بوادر النزيف . وهذا طبعاً لايخلو من خطورات اذ ربما يداهمها نزيف قوي مفاجئ وهي خارج المستشفى اما التصرف المثالي فهو بقاء المريضه بالمستشفى حتى الأسبوع الثامن والثلاثين , وهو الوقت الذي يكون فيه الجنين قد بلغ طور النضج الذي يمكنه من الحياة خارج الرحم لو اقتضى الامر ذلك

ثانياً : العلاج الخاص :
أ‌- الفحص تحت مخدر عمومي  E.U.A.  في الاحوال التاليه :
• بلوغ المريضه النازفه الاسبوع الثامن والثلاثين كما اسلفنا .
• ان تكون المريضه فعلاً في حالة ولادة .
• ان يكون النزيف من الشده بحيث لا يمكن التأخير مهما كان ميقات الحمل ولا مجال لوضع المريضه تحت الملاحظه او الانتظار .
ب‌- تفجير جيب المياه Rupture Membranes  وترك الولاده لتتم بصوره طبيعيه , وهذا في الاحوال التاليه :
• ان تكون المريضه في حالة ولاده وعنق الرحم متوسع بدرجه كافيه .
• ان تكون المشيمه المعيبه من الأنواع غير ذات الخطر كالمشيمه الجانبيه بالدرجه الاولى او الثانيه .
ج‌- العمليه القيصرية  Caesarian section في الاحوال الآتيه :
• نزيف حاد مستمر يهدد حياة المريضه .
• ان يكون عنق الرحم مغلقاً او لم تبدأ عملية الولاده بعد .
• ان يكون نبض قلب الجنين مسموعاً بصوره واضحه أي مازال حياً .
• ان يكون الجنين خالياً من العيوب الخلقيه .
• ان تكون المشيمه من الأنواع الخطره كالدرجه الثالثه والرابعه .

السبب الثاني لنزف ماقبل الولادة :
النزف العرضي او الانفصام المشيمي  Accidental haemorrhage , Abruptia Placenta
ماهو النزيف العرضي ؟
في هذه الحاله يكون النزيف الرحمي من مشيمه زرعت في وضعها السوي , ولكن لسبب او لآخر حدث نزيف دموي بين هذه المشيمه وجدار الرحم ظل يتوسع حتى سبب انفصالاً لجزء من المشيمه وبذلك يقل الدم الوارد للجنين معرضاً كيانه الرقيق للخطر , وخطورة هذه الحاله تكمن في كون النزيف الخارجي لايتناسب اطلاقاً مع حجم النزيف الداخلي في الرحم الذي يفوقه بمراحل , فقد يمتلئ الرحم عن آخره بالدم ولايبدو للعيان غير خيط رفيع من الدم الآسن . مما يعطي اطمئناناً كاذباً للمريضه او لذويها او حتى بعض الاطباء .

اسباب النزيف العرضي :
اسباب هذه الحاله غير معروفه بالضبط , ولكن هناك عوامل مساعده وحالات مصاحبه لهذا النزيف في كثير من الحالات مثل :
- الحمل التسممي  Pre-eclampsia ويعتبر من اهم العوامل التي تصاحب النزيف الرحمي لأن ارتفاع ضغط الدم في هذه الحاله يسبب انقباضاً للأوعيه الدمويه التي تغذي المشيمه مضراً بذلك بالشعيرات الدمويه الدقيقه لنقص كمية الاوكسجين الوارده لها فتموت وتنفجر امام تيار الدم القوي , وبذلك يبدأ النزيف
- نقص حامض الفوليك Folic acid deficiency  وهو احد العوامل الهامه في تكوين الكريات الحمراء في الدم , هذا النقص اكتشف في بعض الحالات النازفه .
- وفي قليل من الحالات قد يكون سبب النزيف هو محاولة عدل الجنين اذا كان المجئ بالمقعد (External cephalic version) .
- او ان يكون السبب ضربه مباشره للبطن .
- احياناً قد يبدأ النزيف بعد صدمه نفسيه او عاطفيه هائله والسبب غير معروف .
- وهناك ايضاً العديد من العوامل المساعده كتكرار الولادات وخاصة بعد الولاده الخامسه . ونقص فيتامين C والعيوب الخلقيه الرئيسيه في الجنين والاستسقاء الآمنيوسي اذا انفجر مره واحده وبسرعه والحبل السري القصير .


المضاعفات :
من مضاعفات هذه الحاله فقدان الدم لخاصية التجلط او التخثر Hypofibrinogenoemia وضمور الغده الكظريه مما يسبب مرض شيهان Sheehan,s Syndrome .

تشخيص الحالة :
الاعراض السريريه الواضحه , كوجود الحمل التسممي بالاضافه الى تيبس البطن وتشنج عضلات الرحم , وشعور المريضه بألم شديد في البطن , مع اعراض الصدمه Shock , والنزيف الداخلي وعادة لا يسمع نبض قلب الجنين كما ان اجزاءه لايمكن جسها من الخارج .
اما النزيف المهبلي الخارجي فكميته ضئيله وقد تسبب اطمئناناً كاذباً لدى المريضه او ذويها .

العلاج :
العلاج العام : الراحه التامه في السرير – المسكنات – كالمورفين والبثيدين Pethidine , نقل الدم بصوره مستعجله وبكميه كافيه لتعويض المريضه ماقد فقدته من دم في النزيف الرحمي الداخلي .
الفحص تحت مخدر عام عندما تتحسن حالة المريضه لاختيار الطريقه المناسبه لاتمام عملية الولاده :
• فأن كان عنق الرحم متوسعاً بدرجه كافيه وكانت عملية الولاده قد بدأت فعلاً ففي هذه الحاله يكتفي الطبيب المعالج بتفجير جيب المياه ومساعدة المريضه بواسطة (الطلق الصناعي) باستعمال عقار بيتوسين Pitocin الذي ينشط انقباضات الرحم ويزيد من قوتها وكفاءتها لاتمام عملية الولاده بنجاح .
• اما اذا كان عنق الرحم مغلقاً والولاده لم تبدأ بعد والجنين مازال حياً ونبض قلبه مسموعاً بوضوح فليس هناك احسن او اجدى من العمليه القيصرية لانقاذ الأم والطفل معاً .

الخاتمة :
من كل ما سبق نلاحظ ان حجر الزاويه في علاج حالات نزيف ما قبل الولاده هو وجود كميات كافيه من الدم والمحاليل لتعويض المريضه ما فقدته من دم وسوائل اثناء النزيف الذي يكون في اغلب الاحيان كثيراً وغزيراً . وان مثل هذه الحالات لاتعالج في المنازل او في العيادات الخاصه , بل يجب ان تنقل المريضه فوراً الى مستشفى متخصص في امراض النساء والولاده ومجهز ومستعد لاستقبال هذه الحالات .


حكمة اليوم :  كلما ازددت علماً ، كلما ازدادت مساحة معرفتي بجهلي

الجَلطَة الدَّمويَّة
( أو تَخثُّر الدَّم )


رغم ان الجلطه قديمه قدم الدوره الدمويه الا ان الانسان لم يفترض وجودها قبل عام 1731 حينما حاول بيتي Petit للمره الاولى تفسير توقف النزيف , بأنه نتيجة لتجلط الدم . وبعد حوالي خمس سنوات من ذلك عزا موراند Morand توقف النزيف الى تقلص الاوعيه الدمويه وكانت كل هذه المحاولات لاتزيد عن مجرد افتراضات , اذ ان الشعيرات الدمويه وهي معروفه الان بقيامها بدور رئيسي في عملية ايقاف النزيف , لم يتم اكتشافها تحت المجهر قبل عام 1661 بواسطة مالبيجي Malpighi بعد ان جعل هارفي Harvey من وجودها ضروره منطقيه .
اما اكتشاف اول دليل مادي قاطع على تجلط الدم ( التجلط هو التخثر وهو مصدر مشتق من اللفظ الانجليزي clot  ) فيرجع الفضل فيه الى العالم الايطالي مالبيجي حينما تمكن من عزل الياف الفيبرين المتماسكه البيضاء من نقطة دم متجلط بعد غسلها . وفي عام 1772 اثبت العالم هيوسن Hewson ان هذه الالياف تتكون داخل التجلط .
وتلا ذلك اكتشاف وعزل الماده الاساسيه اللازمه لتكوين هذه الالياف , والتي سماها دنيس Denis بلازمين Plasmin عام 1859 وهي الماده المعروفه الآن فيبرينوجين Fibrinogen .
ولكن , كيف يتحول الفيبرينوجين الى فيبرين ؟
اجاب بوكانان Buchanan في عام 1835 على هذا التساؤل بوضعه نظرية التخمر وبافتراضه ان عملية تجلط الدم تشبه الى حد كبير عملية تخمر اللبن بمادة الرنين Rennin . وسميت الخميره او الماده المسئوله عن تجلط الدم بعد ذلك ثرومبين Thrombin . وهي تتولد من مادة اخرى متوفره في الدم بصوره غير فعاله وتعرف بأسم بروثرومبين Prothrombin . ويحتاج تحول البروثرومبين الى ثرومبين الى وجود الثرومبوبلاستين Thromboplastin واملاح الكالسيوم .
فالجلطه تنتج اذن من تحول الفيبرينوجين الى فيبرين أي تحول الدم من ماده سائله الى كتله متماسكه حمراء لانها تحصر داخلها كريات الدم الحمراء وعناصرها التكوينيه الاخرى . 
وترجع سيولة الدم في الجسم الطبيعي الى حالة توازن دقيق داخل الاوعيه الدمويه حيث يتكون الفيبرين ببطء شديد ويذاب بواسطة أنزيم الفيبروليسين Fibrolysin بصورة مستمرة كلما تراكم على جدران الاوعيه . ويشترك في عملية التوازن اكثر من عشرين عاملاً معروفاً حتى الآن بين مخثر للدم ومذيب للجلطه .
ويتم تكوين الجلطه داخل الجسم والتخلص منها على اربع مراحل هي :
المرحله الاولى : او نشوء الثرومبوبلاستين نتيجة احتكاك الدم بسطح غريب وتنشيط عوامل التجلط المختلفه الموجوده في البلازما والصفائح الدمويه .
ويعرف الثرومبوبلاستين المتولد داخل الدم باسم ( الثرومبوبلاستين الداخلي ) ويختلف في ذلك عن مادة الثرومبوبلاستين المتوفره في جميع انسجة الجسم والتي قد تتسرب خارج الخلايا نتيجة تلفها . وقد يدخل ثرومبوبلاستين الانسجه ( او الثرومبوبلاستين الخارجي ) الدوره الدمويه عن طريق اوعية مقطوعه ويجلط الدم داخل تلك الاوعيه .
المرحلة الثانيه : وفيها يتحول البروثرومبين الى ثرومبين بواسطة الثرمبوبلاستين بالاضافه الى املاح الكالسيوم .
المرحلة الثالثه : وفيها يؤثر الثرومبين على الفيبرينوجين , ويحوله الى جلطة ( فيبرين ) .
المرحلة الرابعه : وبها يتخلص الجسم من الجلطه المتكونه وتنقسم هذه المرحله الى :
1. نتيجه لوجود دم متجمد داخل الاوعيه تتولد مادة البلازمين Plasmin من مادة اخرى موجوده في الدم ومعروفه باسم البلازمينوجين Plasminogen .
2. تحلل الجلطه بواسطة البلازمين وتحويلها الى سائل مرة اخرى .
ويحافظ الدم على سيولته داخل الاوعيه الدمويه رغم توفر كل عوامل التجلط فيه , ويعتمد في ذلك على سرعة الدوره الدمويه وخلوها من أي سطح غريب , وكذلك على وجود مادة الهيبارين Heparin ومواد التجلط الاخرى بنسب طبيعيه . ولا شك ان تمييز الدم بين السطح الطبيعي والسطح الغريب يتطلب تغيرات فيزيائيه وكيميائيه معقده وغير معروفه تماماً حتى الآن , الا انها تعد من اهم المشاكل المتعلقه بمسببات الجلطه الدمويه والتي يجب التوصل لمعرفتها .

اسباب الجلطة الدموية :
رغم ان الجلطه قد تحدث بدون أي سبب ظاهر الا انه يمكن تلخيص اسبابها في نقاط ثلاث :
اولاً : تلف في جدار الوعاء الدموي اثر التهاب او جرح , وبعد عملية الوضع او العمليات الجراحيه . كذلك قد يتلف جدار الوعاء نتيجة غزوه بخلايا سرطانيه او التهابات زاحفه من انسجه مجاوره .
وتدل حالة الشرايين عن عمر صاحبها , حيث تتصلب الشرايين تدريجياً وتفقد مرونتها كلما تقدم عمر الانسان . ويساعد على تصلب الشرايين عدة عوامل , منها الوراثه واجهاد الشرايين نتيجة ارتفاع ضغط الدم واضطراب التمثيل الغذائي خصوصاً زيادة نسبة الدهن الحيواني في الدم وبالذات نسبة الكولسترول Cholesterol .
ومن المعتقد ان زيادة نسبة الكولسترول في الدم عن معدله الطبيعي تفسح المجال لحدوث الجلطه بالطرق الآتيه :
1. يترسب الكولسترول والمواد الدهنيه الاخرى داخل جدار الشريان فيؤدي الى تصلبه وضيق تجويفه . وقد يتقرح جدار الشريان المصاب نتيجة تحلل تلك الدهنيات كما يحدث احياناً في الاورده وشرايين الكبد والقلب والمخ . وتعرف هذه الحاله باسم تصلب عصيدي Atheroma .
2. ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم يزيد من سرعة تجلطه بدليل ان تجلط البلازما الطبيعيه يتأخر اذا فصلت منها الدهنيات .
3. وجود الدهنيات بكثره في الدم يضعف من قدرته على اذابة الجلطات ويزيد من عدد ولزوجة الصفائح الدمويه . فقد وجد ان الوقت اللازم لاذابة الجلطه عند الارنب يتضاعف اربع مرات اذا زادت نسبة الكولسترول في غذائه .
ثانياً : بطء الدوره الدمويه نتيجة هبوط بالقلب او ملازمة الفراش لمده طويله خصوصاً في المرضى المسنين او المصابين بهزال شديد .
ثالثاً : زيادة قابلية الدم للتجلط .
هذه الحالات يصحبها عادة تلف في انسجة الجسم او ارتفاع في نسب العوامل المجلطه او نقص في كمية المواد المانعه للتجلط . ونتيجه لذلك يضطرب توازن الدم نحو الاسراع في تكوين جلطه وبطء نسبي في ازالتها . ورغم انه يمكن قياس تركيز ونسب عوامل التجلط المختلفه في الدم الا ان ذلك لا يفيد كثيراً في تشخيص وعلاج امراض التجلط رغم فوائده المؤكده في امراض النزيف.

دور الصفائح في تكوين الجلطة :
تلتصق الصفائح الدمويه Platlets ببعضها وبجدران الاوعيه نتيجة وجود جرح بتلك الجدران او جزيئات غريبه داخل الدوره الدمويه ( كالمكورات العنقوديه ) . ويمثل تراكم الصفائح الدمويه على جدار الاوعيه النواة الاولى للجلطه لانه يسبق عملية التجلط نفسها وتكوين الفيبرين وسط الصفائح المتجمعه .
كذلك يحتوي جسم الصفائح على مواد هامه لا تتسرب خارجها الا بعد التصاقها , هذه المواد تساهم في مراحل التجلط المختلفه .

من اهم تلك المواد نذكر :
1. مادة الادينوزين Adenosine Di- Phosphate or ( A.D.P.) التي تجذب مزيداً من الصفائح وتلصقها بزميلاتها وبذلك تزيد من حجمها .
2. مادة ثرومبوبلاستين الصفائح , وهي ماده اساسيه لاتمام المرحلة الاولى للتجلط .
3. ماده مضاده للهيبارين يقلل وجودها من سيولة الدم داخل الجسم . وبتقدير نسبة هذه الماده في الدم يمكن التنبؤ باحتمال حدوث جلطه قبل ان يشعر بها المريض نفسه .
4. مادة الثرمبوستينين  Thrombosthenin التي تسبب انقباض الصفائح الموجوده داخل الجلطه مما يؤدي الى انقباض الياف الفيبرين وتسرب السيرم  Serum الغني بالثرومبين خارج الجلطه . ويحول الثرومبين المتسرب مزيداً من الفيبرينوجين الى فيبرين .
5. مادة السيروتونين Serotonin التي تعمل على انقباض جدران الاوعيه الدمويه فيضيق مجراها مما يؤدي الى ركود الدوره الدمويه في الجزء المصاب وتسهيل تجلط الدم .
مما تقدم يتضح ان درجة سرعة الدم ومكوناته المختلطه من جهه , والاوعيه الدمويه من جهه أخرى تكونان وحده متكامله ومسئوله عن اسباب الجلطه . كذلك يتضح ان هناك اوقاتاً حرجه كالنفاس والعمليات الجراحيه يمر بها الانسان , ويكون فيها عرضه للجلطه اكثر من أي وقت آخر . ويرجع ذلك الى بطء الدوره الدمويه وزيادة نسبة عوامل التجلط في الدم وارتفاع عدد ولزوجة الصفائح الدمويه . وهذه الامثله البسيطه بما فيها من اسرار خفيه ان هي الا جزء من يسير من عوالم الاسرار التي اودعها الله سبحانه وتعالى هذا الانسان مما يجعل العلم – مهما بلغ من كشف لخفايا الحياة – يقف امام هذه المعجزات خاشعاً لعظمة الخالق جل وعلا .

الادوية المانعه لتجلط الدم :
تستعمل هذه الادويه في علاج الجلطه لتزيد من سيولة الدم داخل الجسم وبذلك تحد من انتشار الجلطه وتقلل من نسبة الانسداد التجلطي . وبما ان كمية الدواء اللازمة للمريض تختلف من وقت لآخر تبعاً لحالته الصحيه واسلوبه المعيشي . كما ان زيادة نسبتها في الدم تعرضه لخطر النزيف فان استعمالها يتطلب عمل فحوصات دم دوريه يحددها الطبيب المعالج . ومن اهم تلك الادويه نذكر :
1. الهيبارين , ويعمل كمضاد للثرومبوبلاستين في مرحلة التجلط الاولى . وكذلك يتحد الهيبارين مع عامل مساعد له موجود في البلازما ليضاد مفعول الثرومبين المتولد في المرحله الثانيه للتجلط . ويعطى الهيبارين في الوريد كل 4- 6 ساعات .
2. اقراص الوارفرين والدنديقان والترومكسان ... ومثيلاتها , وهي تعطى بالفم فتعمل على منع استخدام الكبد لفيتامين K الذي يصنع منه البروثرومبين وبعض عوامل التجلط الاخرى . وبنقص تلك العومل تقل قدرة الدم على التجلط وتزيد سيولته .
3. اقراص الاسبرين ( حامض استيل الساليسليك ) : وهذا العقار تم استخدامه لاول مره في علاج الجلطه والوقايه منها في عام 1968 . ولقد وجد ان الاسبرين يمنع تسرب الماده المضاده للهيبارين خارج الصفائح الدمويه وبالتالي يساعد الدم على الاحتفاظ بسيولته . وكان مفعوله ملحوظاً لدرجه ان اقل من الجرام الواحد (3 اقراص او 900 ميلجرام ) كانت له نتائج ايجابيه بعد ساعتين من تناوله واستمرار مفعوله في الدم لمدة ثلاثة ايام على الاقل . علاوة على ذلك , فان الاسبرين يمنع لزوجة الصفائح الدمويه وتجمعها على جدران الاوعيه الدمويه وبالتالي يحول دون تكون الجلطه .

أماكن الجلطة :
قد تصيب الجلطه الدمويه أي وعاء في الجسم الا انني سأقتصر في هذا المقال على ذكر اهم انواع الجلطات واكثرها انتشاراً وهي جلطة القلب , وجلطة المخ , وجلطة الاوردة .
اولاً : جلطة القلب ( التجلط التاجي ) 
       Coronary Thrombosis    
تصيب جلطة القلب الشريان التاجي او احد فروعه , وتختلف عن الذبحة الصدريه في طول مدة الالم , وحدوث تلف في عضلات القلب احياناً . وتتوقف مساحة هذا التلف على حجم الوعاء المسدود وكفاءة الدوره الدمويه الجانبيه على تغذية العضله المصابه .
وعلاوة على الجلطه الدمويه فان هناك اسباباً اخرى قد تؤدي الى تلف عضلات القلب نتيجة اختلال في التوازن بين متطلباتها من الدم من جهه , والكميه المتوفره لها من جهه اخرى . وهذا يحدث احياناً في حالات الانفعال الشديد والارهاق الزائد والصدمات العنيفه . كذلك فان لانسداد الشريان التاجي للقلب اسباباً اخرى عدا الجلطه كالنزيف داخل جدار الشريان .
اعراض جلطة القلب :  تختلف اعراض جلطة القلب اختلافاً كبيراً من حيث نوعيتها وشدتها . ويشكو المريض عادة من الم قابض او هارس تحت عظمة القص او بعرض الصدر . وقد يستمر هذا الالم لمده طويله ولاتفيد الراحه او الادويه الموسعه للشرايين في تهدئته .
ويصحب تلف عضلات القلب اعراضاً مميزه كارتفاع درجة الحراره وعدد الكريات البيضاء , وزيادة سرعة ترسيب الدم , كما ينخفض عادة ضغط دم المريض عن معدله الطبيعي . وقد يشعر المريض بضيق في التنفس نتيجة قصور البطين الايسر للقلب عن القيام بوظيفته . ويعتمد تشخيص جلطة القلب في الدرجه الاولى على التغيرات المميزه التي تظهر في تخطيط القلب علاوة على الاعراض السالفة الذكر .
مضاعفات تلف عضلات القلب المصاب بالجلطة :
1. هبوط بالقلب : ويصحب عادة تلف مساحه كبيره من جدار البطين الايسر . ومن المعروف ان الاوعيه المغذيه لتلك المنطقه من القلب اكثر عرضه للجلطه من غيرها وقد يزول هبوط القلب مع شفاء المريض من أثر الجلطه أو قد يلازم المريض بصوره مزمنه .
2. لغط بالقلب – الذي يصيب حوالي 80% من مرضى جلطة القلب . وقد يختفي بعد مدة قصيره , كما قد يلازم المريض طيلة حياته , وخصوصاً الرجفان الاذيني الليفي.
3. انسداد تجلطي في اوعية الرئتين نتيجة تجلط في الجهه اليمنى للقلب او في شرايين المخ اذا كانت الجلطه في جهة القلب اليسرى . ولقد اثبتت الاحصائيات خلال السنوات الاخيره ان استعمال ادوية منع التجلط قد حد من حدوث تلك المضاعفات , وقلل بالتالي من نسبة الوفيات المترتبه عليها .
4. صدمه نتيجة عدم قدرة القلب على ضخ الدم للمخ بكميات كافيه . لذلك يكون المريض فاقد الوعي مصفر الوجه بارد الاطراف . ويصحب ذلك تصبب عرق غزير وانخفاض في ضغط الدم .
5. انفجار القلب : نتيجة ارهاق مفاجئ خلال الاسبوع الاول من حدوث الجلطه . ويمكن تفادي مثل هذه المآسي بالراحه التامه .

علاج جلطة القلب :
ويشمل العلاج الفوري عند تشخيص المرض ثم تتبع المريض حتى يشفى تماماً , وكذلك علاج المضاعفات , ويمكن توضيح العلاج في النقاط التاليه :
1. تخفيف الالم وضمان راحة المريض الجسمانيه والذهنيه , وذلك باعطائه كميه مناسبه من المورفين بالوريد . واذا كان المريض في مكان عمله او بعيداً عن منزله فيجب نقله سريعاً للمستشفى بعد اعطائه المورفين .
2. علاج الصدمه وهبوط الدوره الدمويه : ويشمل تدفئة المريض ورفع ارجله واستنشاقه الاوكسجين . كذلك فان حقن النور ادرينالين تعمل على رفع صغط المريض بدون اثارة او ارهاق لقلبه . 
ورغم ان عمق الصدمه دليل سيئ على شدة المرض الا ان شفاء بعض المرضى منها واستجابتهم للعلاج يستوجب بذل كل مجهود ممكن من جانب الطبيب في مثل هذه المواقف .
3. محاولة احياء واعاشة المريض : ان الخطوات الواجب اتخاذها بسرعه لضمان استعادة القلب لوظيفته قد تنقذ المريض من موت مفاجئ . وقد تحدث الوفاة خلال دقائق معدوده من بدء الازمه القلبيه اما نتيجة رجفان بطيني او سكته قلبيه . وتتمثل هذه الخطوات في عمل تنفس صناعي مناسب طيلة مدة الازمه ومعالجة زيادة حموضة الدم وعمل تدليك خارجي للقلب .
4. اعطاء المريض ادوية منع التجلط تفادياً لحدوث انسداد تجلطي . ورغم ان لهذه الادويه فائده اكيده في متابعة علاج القلب الا ان عدم ثأثيرها على بعض المضاعفات كهبوط  القلب مثلاً يجعل فائدتها محدوده . وتستعمل الادويه المانعه للتجلط لمدة ستة أشهر الىعامين من بدء الجلطه وبصوره مستمره .
5. ملازمة المريض للفراش : ان الارهاق الجسماني لمرضى جلطة القلب يزيد من نسبة مضاعفات المرض . لهذا يحتاج المريض الى راحه تامه بالفراش لمدة ستة اسابيع على الاقل , وهي المده التي تحدث فيها معظم المضاعفات . ثم يسمح للمريض بعد ذلك بمغادرة الفراش والعوده تدريجياً الى نشاطه تحت رقابه طبيه مستمره . وعلى المريض ان ينظم غذاءه ووزنه وان يكيف حياته في حدود طاقته , وان يتفادى المضايقات النفسيه والقلق وعدم النوم الكافي .

عواقب جلطة القلب :
تحدث معظم الوفيات من جلطة القلب خلال الاربع وعشرين ساعه الاولى من بدء الجلطه ثم خلال الاسبوع الاول . ويقل بعد ذلك عدد الوفيات بصوره ملحوظه خلال الستة أسابيع التالية .
ومن اهم اسباب الوفاة السريعه تكرار انسداد اوعية القلب او رجفانه او هبوط جهته اليسرى .
اما الوفاة المتأخره فتحدث نتيجة هبوط احتقاني بالقلب او هبوط بطيني أيسر أو انسداد شريان رئوي او انفجار القلب .

ثانياً : جلطة شرايين المخ :
        Cerebral Thrombosis
ويقصد به انسداد احد شرايين المخ نتيجة جلطه دمويه مما يسبب تلفاً وتحللاً في خلايا المخ التي تعتمد في غذائها على الشريان المسدود . وقد تتكون هذه الجلطات محلياً في اوعية المخ او قد تصل اليها كسدادة بعد انفصالها من جلطه مبعثها احد اوعية القلب او احد صماماته الضيقه .
وتصيب جلطة المخ كل الاعمار , فقد تحدث في الاطفال كمضاعفات الحمى الحاده وللشباب نتيجة زهري اوعية السحايا , وللمسنين اثر تصلب شرايينهم .
اعراضها : تظهر اعراض جلطة المخ تدريجياً لتتبلور خلال ساعات او ايام . ويشكو المريض عادة من صداع واحياناً قئ . وقد يفقد وعيه جزئياً او كلياً . كذلك فان هناك اعراضاً مركزيه تعتمد على منطقة المخ المصابه كالشلل النصفي الناتج عن انسداد الشريان الاوسط للمخ . وتتوقف آثار المرض على موضع الجلطه من المخ وحجمها , ومن المشاهد ان جلطة المخ تتكرر عادة بعد شفاء المريض .
علاجها : يشمل العلاج الاهتمام بالمريض الفاقد الوعي من محافظه على تنفسه ووقايته من الالتهابات الرئويه . كذلك يعتبر العلاج الطبيعي والعنايه بنظافة المريض من اهم العوامل التي تعجل شفاءه .
ومن المستحسن عدم استعمال الادويه المانعه للتجلط في مراحل العلاج الاولى تفادياً لحدوث نزيف في المخ . ولكن خطر تكون جلطه ثانيه يستوجب استعمال ادوية منع التخثر بعد شفاء المريض .
وهناك علاج جراحي يستهدف محاولة استخراج الجلطه من المخ واعادة فتح اوعيته المسدوده . ونجاح هذه الجراحات يزيد من كمية الدم التي تصل المخ ويساعد على منع حدوث سدادات اخرى . هذا ويجب استعمال ادوية منع التجلط بعد التداخل الجراحي


ثالثاً : جلطة الاوردة وتنقسم الى :
1. جلطة الاوردة العميقة :
           Deep Vein Thrombosis
يكثر حدوث تلك الجلطات في الاورده العميقه للرجلين خصوصاً في الوريد الصافن والوريد الفخذي العميق . اما جلطات كل من الوريد الابطي والطحالي والحوضي فهي قليله نسبياً .
وهناك عوامل كثيره تساعد على حدوث جلطه الاورده العميقه منها ركود الدم داخل تلك الاورده وفقد عنصر الماء من الجسم وارتفاع عدد الصفائح الدمويه . كذلك قد تصحب الجلطه امراضاً التهابيه كالحمى التيفوئيديه والالتهاب الرئوي .
وتكثر نسبة هذا المرض بعد العمليات الجراحيه والوضع وملازمة الفراش لمده طويله . وتكمن خطورة هذه الجلطات في انفصال جزء منها واندفاعه للرئتين عن طريق القلب فيسبب انسداداً بالشريان الرئوي وتلفاً بانسجة الرئه المصابه . لذلك يجب بذل كل جهد ممكن لتفادي حدوث مثل هذه الجلطات واذا ثبت وجودها فيجب الاسراع في علاجها .
اعراض جلطة الاورده العميقه : غالباً ماتكون تلك الاعراض بسيطه مثل ارتفاع طفيف في درجة الحراره او في عدد كريات الدم البيضاء . وقد يشكو المريض من الم في بطن الساق خصوصاً عند تحريك اصابع قدمه . ويستمر هذا الالم عادة لبضعة ايام ثم يختفي .
وقد يبين فحص المريض ورماً بسيطاً في رسغ القدم او الماً عند لمس بطن الساق او تغيراً في لون جلد الفخذ . واحياناً تكون اعراض الانسداد الرئوي اول دليل على تشخيص جلطة الاورده العميقه .

العلاج وينقسم الى : 
1. الوقايه من الجلطه : يجب تفادي ركود الدم في الرجلين بعد العمليات الجراحيه والوضع واثناء المرض الطويل وذلك بتشجيع المريض على تحريك الطرف المصاب وعمل تمرينات للتنفس . اما المرضى الذين سبق اصابتهم بجلطات دمويه من أي نوع , فيجب اعطاؤهم ادويه مانعه للتجلط .
وفي حالة جلطة الرجل يمكن ان يرتدي المريض جوراباً ضاغطاً للحد من انتفاخ اوردة بطن ساقه .
2. علاج الجلطة : عند حدوث جلطه حاده يجب توفير الراحه التامه للمريض وللمكان المصاب , حتى يزول الالم والورم منه , ويعود نبض وحرارة المريض لمعدلهما الطبيعي . وتستغرق مدة الراحه عادة من اسبوع الى اربعة اسابيع منعاً لتكسر الجلطه وتسرب اجزاء منها الى اماكن اخرى في الجسم , ويمكن تنشيط الدوره الدمويه في الطرف المصاب بعمل تدليك بسيط له . كذلك يجب استعمال ادويه مانعه للتجلط حتى تزول كل الاعراض المرضيه ويستأنف المريض نشاطه الطبيعي . ويستحسن ارتداء جواريب ضاغطه لمدة ثلاثة الى ستة أشهر .  وهناك نوع من تجلط الاورده العميقه لايستجيب لاي علاج غير الاستئصال الجراحي لجزء الوريد المصاب , ويعرف هذا النوع باسم التجلط الزاحف .

2. جلطة الاورده السطحية :
    Superficial Vein Thrombosis
تحدث هذه الجلطات عادة في الاورده الصافنينيه للفخذ نتيجة التهاب بجدران تلك الاورده او كمضاعفات للدوالي . وفي هذه الحالات يشكو المريض من الم مكان الجلطه التي يمكن تحسسها داخل الوريد على هيئة عقد اوحبل .
هذا ويندر حدوث سداد رئوي من هذا النوع من الجلطات .

العلاج :

العلاج : يختلف علاج جلطة الاورده السطحيه باختلاف سبب الجلطه .
أ‌- ففي حالة وجود دوالٍ يسمح للمريض بالمشي غير المرهق بعد وضع سند محلي فوق مكان الجلطه وبعد لف الطرف المصاب برباط ضاغط يمتد من اصابع القدم الى ما فوق الجلطه . كذلك قد يحتاج المريض لادويه مسكنه للألم في الاسبوع الاول من العلاج , ولايستحب استعمال الادويه المانعه للتجلط في مثل هذه الحالات . واذا تعرضت دوالي الرجلين في المريض لجلطات متكرره فيجب استئصالها جراحياً
ب‌- اذا كانت جلطات الاورده السطحيه مصاحبه لالتهاب حاد بجدار تلك الاورده فيجب استعمال الادويه المانعه للتجلط بالاضافه الى الادويه المسكنه ووضع رباط ضاغط على الطرف المصاب .


حكمة اليوم :  من زاد في حبه لنفسه .. زاد كره الناس له

الكذب

يؤكد " كيلر" مخترع آلة كشف الكذب , بعد اجراء اختبارات على اكثر من 25 الف شخص و ان الناس أبعد شيئاً عن قول الصدق . واستنتج من ارقامه الاحصائيه ان 97% يكذبون . البعض منهم يكذب باستمرار , والبعض الآخر يكذب بعض الوقت وفي بعض الظروف .
بعض الاكاذيب تساعد على التعايش :
المعروف ان بعض الاكاذيب تؤدي وظيفه اجتماعيه , لانها تساعد الناس على التعايش معاً . ففي الصراحه المطلقه ما يجرح مشاعر الناس , كما انها ترضي نزعه دفينه في اعماق كل فرد .
وهذه هي نزعة التفوق على الآخرين . والميل الى المبالغه متأصل في النفس البشريه , الى درجة اننا نجد من الأمور الطبيعيه ان يبالغ رجل الاعمال في ذكر ما حققه من نجاح , لان هذه المبالغه – في اعتقاده – تسوقه من نجاح الى نجاح . فالايهام , إيهام الغير بنجاحه المستمر , يعتبر خطوه هامه لكسب ثقتهم . ومن ثم , فان النجاح الاول يجلب نجاحاً آخر . ولاعجب اذا لجأ رجل الاعمال الى تضخيم ارقامه واظهار نفسه بمظهر الواثق , الناجح على الدوام .
اما النساء , فان عندهن اكثر من الف سبب للكذب . واكثرهن لا يعترفن بالسن . وهن يبالغن دائماً عند ذكر مكاسب ازواجهن , كأن هناك عاملاً خافياً يدفعهن الى الاعلان بان ازواجهن عباقرة . كذلك الشأن اذا جاء ذكر اولادهن , ومدى النجاح الذي حققوه في ميادين الرياضه والبطولات والدراسه .
غير ان هناك اشخاصاً يكذبون لمجرد الكذب , كما يقول اوسكار وايلد . لقد كتب هذا الاديب الانجليزي : ( هدف الكاذب ان يسحر الناس بحديث . ويسلّي المستمع بنكاته . ان الكذب موجود في أساس كل مجتمع متحضر ) .

المدارس تجتهد في تعليم الصدق :
في رأي أحد علماء الانجليز ان المدارس لاتعلم الاطفال الكذب , وانما هي تجتهد في تعليمهم الصدق . ذلك لان الاطفال قد ولدوا يكذبون ! وتساعد نظم الامتحانات في المدارس والجامعات على تنمية تلك النزعه الى الكذب . وقد ذكر كاتب مشهور , انه عندما كان في السنه قبل النهائيه لدراسته وامتحن في الادب الانجليزي حصل على اربع درجات من عشر درجات , فتضايق من هذه النتيجه , وآلى على نفسه ان يمارس فكره جديده في العام التالي . ولما اعطي موضوع (الانشاء) حشاه بالاكاذيب , ولكنه قالها بقلب واثق . لقد استطاع ان يوهم الممتحن انه ازاء شاب عبقري , اذ حشا موضوعه باقوال ومقتبسات وآراء نسبها الى مؤلفين وفلاسفه وفنانين وعلماء . وجعل (الاستشهادات) تأتي في مكانها الصحيح لتؤيد وجهة نظره ! .


لماذا يكذب الناس ؟
ان الانسان مطبوع على الضعف , فهو يجد في الكذب فرصه لاشباع نزعته الى الارتفاع على ضعفه . فكم من موظف فاشل يحكي لزوجته ويقنعها بان (وجوده) ضروري في الشركه التي يعمل فيها , وان العمل لايمكن ان يستغني عنه بسبب براعته وكفاءته !
والتاريخ مليء بالاكاذيب الصريحه . هكذا تساءل وليم اوكلاند : ( من اشعل روما ؟ ) الرد المنتظر هو" نيرون " . ولكن من يملك الدليل ؟ ومن شاهده يشعل النار في روما وهو يعزف الموسيقى . ومن نقل الى الناس هذه المعلومه ؟ .
لقد اصطلح الناس على ان قول الصدق , ليس فيه مايدل على العقل الراجح , واختاروا اللون الابيض للاكاذيب التي لاتضر , وهي في رايهم تنهى برفق كثير من المواقف الحرجه التي تصادفهم في حياتهم الاجتماعيه , وكأنها الزيت الذي يوضع في تروس الآلات , فيجعلها تدور في رفق ولين . ومن قديم الازمان , قال افلاطون ان الكذب ضروري , مثل الدواء للانسان . ومن منا ينكر حكمة الاطباء الذين لايذكرون لمرضاهم كل الحقائق , ويكذبون عن قصد , في سبيل بعث الطمأنينه في نفوسهم . ذلك لأن آلم حجر يرمي به الطبيب مريضه انما يكون في اخباره بان شفاءه غير ميسور .
المبالغة صيغة من صيغ الكذب :
هناك حافز معروف يدفع الى المبالغه , خاصة في البلاد المتقدمه صناعياً , حيث تسهل حركة الصعود الاجتماعي , مثل الولايات المتحدة الامريكيه . وهذا الحافز هو الطموح الزائد الذي يجعل كل فرد هناك يحلم بأن يكون , في يوم ما رئيساً للجمهوريه , ويجعل العامل الصغير يطمح في ان يصبح رئيساً للشركه التي يعمل بها . وهذا الحافز يجعل الفرد يندفع في سباق رهيب سواء في مجال العمل او التعليم او الرياضه او السياسة , لكي يبرز الى دائرة الضوء . وعندئذ تصبح كل حركه من حركاته مرصوده , ومضخمه , لان وراء نجاحه سيقف , فيما بعد , عشرات من المستفيدين . ولا مانع لديهم , منذ بداية صعوده الاجتماعي من تضخيم صفاته وابرازها . ويحدث كثيراً في مجال التعليم ان يدعي البعض حصولهم على شهادات جامعية . وقد ذكر احد المؤلفين انه قابل سيده تعمل مديرة بأحد الفنادق المشهوره في بوسطن , وقد اخبرته بأنها تخرجت من جامعة كوابيت . وكان هو نفسه من هيئة تدريسها , وقد دهش لكذبها , لان هذه الجامعه لا تقبل بين طلبتها الا الرجال !
والمشاهد ان المبالغه في مجال المال منتشره جداً . وتوجد عائلات كثيرة تشتري الاثاث الفخم لمجرد التفاخر به , وتشتري الآلات الموسيقيه , لمجرد ايهام الناس بانهم على ثقافه موسيقيه .   
وفي النواحي الرياضيه , يتباهى الطلبه بملابسهم الرياضيه واكثرهم لا ينزل الحلبه , ويفخرون بارسال صورهم لاهلهم ولاصدقائهم , وهم مع فريق اللعب وهم لايلعبون في الواقع . اما الافراد الذين يحققون اعمالهم بغير ضجه مفتعله , بسبب وثوقهم بأنفسهم وقدراتهم العاليه , فانهم لا يأبهون كثيراً للحصول على شهادات او ارصده كبيره .
ذلك لان الحافز للتباهي الكاذب عندهم غير موجود بصوره حاده , او غير موجود اصلاً , ويكفيهم ان يلمسوا تقدير الناس لمواهبهم . لقد رفض توماس اديسون , المخترع المشهور عشرات من الجوائز والشهادات الفخريه التي قدمت اليه من جامعات شتى , سواء في الولايات المتحدة او في انجلترا . هذا بينما يحرص الفرد العادي على وضع شهاده تافهه ( لتكن مثلاً في الطهي او التسويق ... ) في اطار مرتفع الثمن , او يرصع بطاقة الزياره الخاصه به بألقاب علميه كثيره , لا مجال لذكرها كلها في البطاقه .
وكثيراً ما ينساق الناس لتعزيز مركزهم ازاء السامعين الى ذكر اسماء المشاهير من الناس ذوي النفوذ , فيذكرون اسماء هؤلاء العظماء ليزداد تقدير الناس لهم شخصياً .
وتوجد اخيراً , وليس آخراً , صورة من صور المبالغات عندما ينسب احد الخارجين على القانون الجرائم الخطيره لنفسه . ولا مانع من الاعتراف بذلك عقب القبض عليه , ليترك في نفوس الناس شعوراً بالشجاعه والاقدام . وفي امريكا , كم نسب اشخاص لانفسهم تهمة خطف ابن شارل لندبرج . وظهر فيما بعد انهم كاذبون .

وسائل كشف الكذب قديماً :
يمكن القول ان الاجهزة الجديده التي يستعان بها الآن في البحث الجنائي تجمع بين المكتشفات القديمه لكشف الكذب . لنلقي الان نظره سريعه على مراحل هذه المكتشفات :
1. عرف ارسطو ( 384- 322 ق.م ) ان هناك علاقه بين نبض الشخص وبين حالة صدقه او كذبه . ذلك لأنه لاحظ ان النبض يزداد اذا حاول الشخص اخفاء الحقيقه , بينما يظل نبضه هادئاً وطبيعياً اذا نطق بالصدق .
2. كان قدماء الهنود يراقبون حركة الاصبع الكبرى للقدم , اذ اعتقدوا ان هذه الاصبع تتحرك عند قول الكذب . غير انه اتضح فيما بعد , ان اهم منطقه في جسم الفرد يجب مراقبتها بدقه للكشف عن الكذب هي منطقة الصدر والفم واعلى الذراعين . ويقول السيكولوجي الامريكي دونالد ليرد : ( لقد عرف الشرقيون , ان الخوف يوقف افراز اللعاب عند اشخاص كثيرين ... واذا ترتب على الكذب ان يفقد الانسان ماله واحترامه او الحب او الحريه , او تلحق به اية عقوبه , فان الخوف من الفضيحه يجعل الحلق جافاً ) .
وكان الصينيون يعطون المتهم بالكذب بعض الارز ليمضغه في فمه , او يلوكه فيه دون ان يبلعه , ثم يطلبوا منه بعد دقائق ان يلفظه . فاذا وجد الارز مختلطاً بلعاب كثير , كان ذلك دليلاً على صدقه . وجدير بالذكر ان الآلات الحديثه لاتعتمد على الارز , وانما تسجل بوسائل اخرى حديثه , درجة جفاف الفم والحلق والحركات المتتابعه للبلع , كما تظهرها حركة تفاحة آدم البارزه في العنق . ومن العلامات الظاهره التي يعرف بها المحقق كذب الشخص الذي امامه , ان يراه مثلاً يعمد الى بل شفتيه بلسان جاف !
3. وقد عرف العرب وسيله مشابهه بطريقة اهل الصين , وهي تعرف بأسم ( البشعه ) , فكانوا يطلبون الى الاشخاص المتهمين ان يلمسوا بالسنتهم قضيباً من الحديد الساخن . وكان الصادق منهم يسلم بسبب لعابه الوفير . اما من جف لسانه فالحديد المحمي يحرقه !
وكان ابن سينا , الطبيب العربي , يعرف ما لتداعي الخواطر من اهميه في الكشف عن الاسرار المكنونه , حتى انه استخدم هذه الطريقه في العلاج النفسي . جاءوا اليه بمريض شاب , فتحسس نبضه , واستدعى من يذكر امام مريضه اسماء احياء المدينه كلها . فلما شعر بنبضه يرتفع بعد ذكر حي معين , استدعى من يذكر اسماء العائلات التي تسكن هذا الحي . فلما اسرع النبض بعد سماع اسم معين , ادرك الطبيب ان الشاب يشكو من الحب , وعرف اسم من سببت مرضه , فأمر بتزويجه منها ! وهذه الوسيله توصل اليها فرويد من بعده , وهي مبنيه على ( تداعي الالفاظ ) .

وسائل كشف الكذب حديثاً :
من الجدير بالذكر ان سيكولوجياً في عام 1870 اسمه موسو Mosso ومن بعده بنوسي Benussi قد استخدما طريقة الطبيب ابن سينا نفسها في تداعي الخواطر , للكشف عن الكذب , بعد ان تبين ان نبض الكاذب يزداد عند ذكر كلمات معينه , لها ارتباط بملابسات وظروف الكذب. واستخدما لذلك ساعه من ساعات الرصد المعروفه بأسم Stop Watch وأعدا قائمه بها 120 كلمه معروفه , ربعها فقط من الكلمات المقحمه , التي تتناول موضوع الكذب وملابساته . وكان المحقق يوجه أسئلته في براءة , مستعيناً , او في الحقيقه , مقحماً بهذه الالفاظ الخاصه في حواره , ويرصد زمن كل اجابه . فلاحظ ان الكذب يقترن دائماً بالتأخير في الرد , ذلك لان الشخص الموضوع تحت الاختبار يحاول جهد طاقته بطريقه واعيه ان يفلت من الحصار المضروب حوله .
واذا خطونا خطوه الى الامام وجدنا ان العلماء حاولوا بعد ذلك اختراع اجهزه تقيس وترصد هذه الانفعالات بطريقه موضوعيه , فظهر اولاً جهاز بدائي أطلق عليه اسم  Tensiometre طُور فيما بعد الى ما عرف باسم  Plethymograph لرصد التغيرات التي تطرأ على ضغط الدم بسبب الاضطرابات والانفعالات . وظهر بعده جهاز يقيس سرعة التنفس ويعرف باسم  Pneumograph وهو اسطوانه مستديره مغلفه من الخارج بطبقه رقيقه من المطاط . وتربط هذه الاسطوانه على الصدر , ومنه تستمد الآله حركتها الى الامام او الى الخلف , كما يؤثر حجم الهواء داخل الانبوب في مؤشر يعبر عن ازدياده او انخفاضه بخطوط متتابعه .
وفي اوائل القرن العشرين , قام شيرازي لمبروزو الايطالي الشهير (1836- 1909 ) باختراع جهاز لقياس التغيير في ضغط الدم , واسم هذا الجهاز هو Sphygmo-manometer وبعد ذلك بعدة سنوات , طوره العالم مونستربرج Munsterburg  لرصد الكثير من الانفعالات النفسيه .
وخلفه في عام 1915 مخترع آخر اسمه مارستون في التخصص نفسه . وقد اتسع مجال البحث الى دراسة التغيرات التي تلحق حركات العين ورعشات الصوت وحرارة الجسم . واهم من ذلك مقاومة الجلد لسريان تيار كهربائي خفيف . وبرز في هذه التجارب الاخيره علماء نذكر منهم شارل فيريه Ferre , وفيجوروه Vigoureux , وستيكر Sticker , وأخيراً لارسون Larson ولما حلت سنة 1926 جمع ليونارد كيلر Keeler كل هذه المكتشفات السابقه في جهاز واحد . وكان هذا الامر سبباً في نيله رابطة الجونيور للتجاره ( وهي جائزه تمنح للشباب الذي يحقق فيما بين سن الحاديه والعشرين والخامسه والثلاثين خدمه جليله لمدينة شيكاغو , وقد نالها كيلر في عام 1932 , بعد ان حصل بواسطة وسائل عمليه على اعترافات من 87 شخصاً خالفوا القانون واضطروا الى الاعتراف بعد كشف كذبهم !
وفيما يختص بالضغط الدموي , يقول المؤلف انباو Inbau في كتابه :( الكشف عن الكذب والتحقيق الجنائي ) ان ضغط الدم يتوقف على عوامل سيكولوجيه متضاربه , وكمية الدم الذي يضخه القلب , ثم المقاومه التي تبديها الشعيرات الدقيقه اثناء مرور الدم . وفي تجربه يكون فيها الشخص الموضوع تحت الاختبار كاذباً , يرتفع ضغطه الدموي في 80% من الحالات . ولكن يجب القول بانه لاتوجد علاقه خفيه بين الكذب وارتفاع ضغط الدم او سرعة التنفس , ذلك لان الضغط يرتفع في حالة الهياج . وسواء كان سببه اثارة العواطف عقب رواية قصه صادقه , او مشاهدة فلم مؤثر , او صدمه كهربائيه قويه . ان جميعها عوامل تعمل على رفع الضغط الدموي.

جهاز كيلر لكشف الكذب :
وجهاز كيلر مكون من ثلاثة اجزاء هامه , يرصد جزء منه التغييرات التي تحدث لضغط الدم . والجزء الثاني لرصد التنفس والثالث لقياس درجة مقاومة الجلد لتيار كهربائي .
ولما كان من غير المأمون الاعتماد الكلي على هذا الجهاز بصفه مطلقه . فأن دور المحقق هنا يكون بارزاً . ويمكن ان تتغير النتيجه العامه . كما ان نوعية الاسئله تحتل مكانه هامه . ففي بداية التحقيق تكون الاسئله سهله من نوع : ( ما أسمك ؟) (أين تسكن ؟ ) ....الخ .
واذا كان الشخص الموضوع تحت الاختبار يعمل في وظائف غير لائقه , فقد يتردد في الافصاح عنها . وتسجل الآله مدى اضطرابه في علامات خطوطها . واذا كان مثلاً قد سرق رب العمل , فأن مجرد الاقتراب من دائرة العمل , يسبب له بعض الاضطراب . وهذه الاسئله مما يطلق عليها الاسئله الشطائريه Sandwich questions وهي عادة تُقحم بين اسئله سهله . والهدف منها هو الوصول الى النواحي التي تتصل مباشرة بما يسبب الاضطرابات ويزيد من الانفعالات. ثم يعود المحقق في براعة الى توجيه اسئله بريئه يطلق عليها الاسئله التقريريه Statement questions والغرض منها ان يعود المحقق بالشخص المتهم الى حالته الطبيعيه . ثم ان لها فائده عمليه عظيمه في تسهيل قراءة الخطوط .
.................................................................................................................................................................................
حكمة اليوم :  لا تحاول البحث عن حلم خذلك ..
                                             وحاول أن تجعل من حالة اليأس بداية حلم جديد !

الدكتور فلاح الشمري - اختصاصي التجميل - بغداد - العراق

bottom of page